مالك التريكي


حظرت سلطات المغرب توزيع العدد الأخير من مجلة 'لونوفيل أوبسرفاتور' الفرنسية لنشره ملفا بعنوان 'العرب: المصير العظيم لشعب الصحراء' يتضمن صورة مرسومة لوجه النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت سلطات المغرب قد حظرت قبل ذلك بأيام عدد مجلة 'لكسبرس' الفرنسية الذي يخصص ملفا من 76 صفحة لـ'التاريخ الكبير للشعوب العربية' يتضمن أيضا صورة لوجه النبي. وذكرت الأنباء أن هذا العدد من مجلة 'لكسبرس' والعدد قبل الأخير من مجلة 'لوبوان'، الذي قيل إنه يتضمن صورة من النوع ذاته، لم يوزعا في تونس لأن المجلتين قررتا، من تلقاء نفسيهما، الامتناع عن تزويد ناشريهما المحليين بنسخ العددين. وقد برز تفسيران لبادرة الامتناع عن التوزيع هذه: إما أن تكون هذه البادرة غير المعهودة من الجرائد والمجلات الفرنسية مؤشرا على تطور حقيقي في الموقف الإعلامي الفرنسي أملاه الاحترام الذي صارت تفرضه الشعوب العربية منذ انطلاق ثوراتها من أجل الحرية. أو أن تكون البادرة مجرد إجراء ظرفي تطلبته رغبة المجلتين في عدم إثارة توترات قد تعكر صفو أول زيارة يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه إلى تونس منذ تشكيل أول حكومة تونسية منتخبة ديمقراطيا، لا سيما أن الزيارة تندرج في سياق سعي البلدين لإعادة بناء علاقاتهما على أسس جديدة من التعاون الجاد في إطار القيم المشتركة والاحترام المتبادل.
لم أحصل بعد على عدد 'لونوفيل أوبسرفاتور'، لكنني حصلت على النسختين الدوليتين من عددي 'لكسبرس' و'لوبوان'. ومع تفهمي لدواعي قرار الحظر في المغرب وقرار المجلتين الامتناع عن التوزيع في تونس، فإن من اللازم الإشارة إلى أن الملف الذي خصصته 'لكسبرس' للتاريخ العربي ملف ممتاز بحق، اشترك في إنجازه 17 صحافيا وباحثا حاولوا، بأقصى ما يمكن من النزاهة الفكرية، وصف 'مغامرة' الشعوب العربية 'الكبرى' منذ الأصول (حضارات ما قبل الإسلام) إلى فترة التألق (منجزات الحضارة الإسلامية)، فتاريخ النجاحات والانكسارات المعاصرة. ويتصدر الملف حوار عميق مع المؤرخ هنري لوران (الذي اشتهر ببحثه الضخم، المتألف من أربعة أجزاء، عن 'مسألة فلسطين') يقول فيه إن القرن العشرين شهد كثيرا من ثورات العرب، بداية من ثورة الشباب الأتراك، عام 1908، التي كان لها أثر مباشر على الثورة العربية، عام 1916، فالثورات ضد الاستعمار، فالحركات الثورية أثناء الخمسينيات والستينيات.
ويلاحظ هنري لوران أن ثورات الشعوب العربية عام 2011 تختلف عن الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية التي كان هدف كل منها يتمثل في خلق إنسان جديد.. إلى حد انتهى بتحويل الثورة إلى غاية في ذاتها. ذلك أن الثورات العربية هي أقرب ما تكون إلى الثورات الديمقراطية التي اندلعت في أوروبا عام 1848، حيث أنها تهدف لإقامة نظام ديمقراطي 'ينسحب' بموجبه 'الثوريون أمام نتيجة صناديق الاقتراع'. ويضيف المؤرخ الفرنسي أننا 'لم نعد على استعداد في الغرب للموت في سبيل الحرية، بينما يموت الشباب التونسيون والمصريون في سبيلها'. وما يعنيه هذا هو أن الثورات العربية 'تبشر بقيم لم تعد أوروبا تجرؤ على الدفاع عنها': أي أن 'الحداثة إنما تأتي اليوم من البلدان العربية'!
أما مجلة 'لوبوان'، فإن عددها غير الموزع في تونس والمغرب لا يتعلق بالعرب أو الإسلام. وإنما يتضمن ملفا، اشترك في إنجازه 15 صحافيا وباحثا، عن الذات الإلهية وتصورات الإنسان بشأنها عبر التاريخ. والملف بعنوان 'أسئلة وأجوبة عن وجود الله'. أي أنه لا يهتم بديانة معينة، بل إنه ملف فكري شامل يبحث أهم قضية أنطولوجية وميتافيزيقية، بل ثقافية، تفرض نفسها على العقل الإنساني. ورغم جرأة المسائل وعناوين المحاور، فإنها من جنس ما يدرسه أي تلميذ في مادة الفلسفة في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية (الباكالوريا). مسائل لا وجه لتمحيص الإيمان إلا ببحثها وفحصها. وأسئلة لا صدق مع النفس التواقة للحق إلا بتحري الصدق في طرحها وتقليبها من كل وجوهها.
ومن أهم ما في الملف حوار مع الفيلسوف الكاثوليكي ريمي براغ يقول فيه إن 'الله وحده هو العليم بما إن كان هنالك أي خير [ممكن] في وجود البشر'. أما جان دورمسون، الروائي ذو الأسلوب الكلاسيكي العذب، فقد صدّر للملف بنص أخاذ، بعنوان 'شأن الإنسان مع الله متصل بلا انتهاء'.