علي حسين


هناك نوع من الأخبار، مثير للضحك، على الرغم من أنه يقدم في غلاف أبعد ما يكون عن الكوميديا.. وغالبا ما يأتي هذا الصنف الفاخر من الأخبار من مصادر معلومة دائما تعمل تحت سمع وبصر الناس، وهذه النوعية من الأخبار، غالباً ما تكون معبأة ومسربة بدقة شديدة وفي توقيتات معينه، على نحو يذكّرك بأيام quot;القائد الضرورةquot; عندما كان يطلب من التلفزيون أن يعيد أغنية زهور حسين الشهيرة quot;تفرحون افرحلكquot; كلما استبد به الشوق الى التخلص من بعض الذين كانوا يشاركونه مسيرته

quot;الجهاديةquot; المتواصلة، في هذا الإطار يمكن التعامل مع الأخبار التي نشرتها الصحف خلال اليومين الماضيين من أن السيد القائد العام للقوات المسلحة quot;نوري المالكيquot; انعم على القيادات الأمنية بالترقية لرتبة أقدم، فالذي كان لواءً أصبح فريقا والفريق سيصبح مهيبا إن شاء القائد العام، هذه الترقيات تأتي في ظل استقرار امني لم يسبق للعراقيين أن تمتعوا به، وطبعا لا ننسى تسريبات الحكومة التي تذكرنا دائما بان قواتنا الامنية تخوض حربا استباقية ضد اصحاب الأجندات الخارجية التي لا تريد لمسيرتنا الظافرة ان تستمر عشرين سنة قادمة، غير أن لهذه الأخبار مهمة أخرى هي فتح خزائن الحكومة لكل من يسبّح بحمد القيادة العامة للقوات المسلحة وانجازاتها التي دفعت العديد من دول العالم إلى طلب المشورة للاستفادة من خبراتنا الأمنية حسبما صرح رئيس الوزراء ذات يوم، في ظل هذه الأجواء لا يمكن الحديث عن ضباط يسهلون كل يوم هروب عتاة الإرهابيين، ولا يمكن بالتأكيد الحديث عن قضايا فساد ومخالفات أمنية قاتلة ينجو أصحابها من سيف القانون، ولان القانون أساس بناء مجتمع معافى، فان المواطن سيبقى يشعر بالغربة وهو يرى أن القانون لا تطبق معاييره الحقيقية، ففي الوقت الذي سالت فيه دماء المئات من العراقيين بعمليات إرهابية نجد أن المسؤولين عن الملف الأمني يكافأون بدلا من ان يحاسبوا على إخفاقاتهم المستمرة.
كانت الناس تعتقد إن التغيير الذي حصل بعد 2003 سيفتح لهم نوافذ الأمل بدولة لا يرون فيها ظلاً للقائد الملهم الذي ينتج الفساد ويذلّ العباد ويخرب كل شيء، يحاول بعض الساسة اليوم أن يتصيد احلام العراقيين من خلال عمليات انتقام من كل ما يمت بصلة إلى الحلم بان نكون مواطنين لا تابعين لظل الزعيم الأوحد.
يكتب ايزنهاور في رده على رسالة وجهها طالب أميركي يسأله عن معنى الزعامة بالقول: quot;عندما تتألف أميركا من زعيم واحد ومئة وأربعين مليون تابع فإنها لا تعود امريكا، حربنا الاخيرة لم يربحها رجل واحد بل ربحها الملايين من الرجال والنساء، وفي السلم يقود زمام هذا البلد أيضا ملايين الرجال والنساءquot;.
كتابه الشهير روح القوانين يصف مونتسكيو إن الديكتاتور بانه: الذي ينفرد بالرأي والحكم وفقا لأهوائه ورغباته دون مشاورة أو استرشاد من أحد، ولا يملك أية فضيلة يعتمد عليها في تأكيد مشروعيته السياسية سوى ما يحاول أن يزرعه في أذهان وقلوب المجتمع من الخوف والمهانة، بحيث لا يكون في نفوسهم سوى الترهيب والتخويف، اعتقادا منه بأن ذلك يوفر الطمأنينة والسلامquot;.
اليوم يحارب بعض السياسيين بكل ما أوتي من قوة وسلطة وأجهزة للدفاع عن جمهورية الزعيم الأوحد، جمهورية لا تؤمن بقانون الا قانون القائد الذي هواو الاشياء واخر الاشياء، وهم يتهمون معارضيهم ومنتقديهم بالخيانة للعملية السياسية والدستور، ويحاربون كل من يرفض التدجين ويصرون على ان منتقديهم والمختلفين معهم عملاء وواجهات لجهات خارجية، ولا ينسون ان يذكرونا ليل نهار باننا نتعرض للمؤامرات في كل ثانية.
اليوم.. العراقيون جميعا مطالبون بان يتخلصوا من بقايا الدكتاتورية التي مازالت بعض اثارها على أجسادهم، وان يسيروا بقوة باتجاه دولة المواطنة وان يسقطوا نموذج الديكتاتور من حياتهم لأنه إذا ترسخ وطال به المقام فإنه سينتج الخراب، وهنا تكمن خطورة دعوات البعض لعودة نظام شبيه بنظام quot;بابا صدامquot;.