كمال الذيب

غادرت الجيوش الأمريكية العراق الشقيق دون أن تغادره سياستها ونتائج حربها الكارثية واحتلال استمر ثمان سنوات. غادرت هذه القوات بعد أن هشمت بنية الدولة العراقية وأحيت النعرات البدائية، ومكنت النزعات الطائفية من السيطرة على مقدرات العراق، والمصيبة الأكبر أن الإدارة الأمريكية تعلن أنها بنت نظاماً ديمقراطياً ليكون نموذجاً للديمقراطية الأمريكية التي تريدها للمنطقة. لقد تجاوزت الولايات المتحدة الأمريكية الشرعية الدولية، ولم تعبأ بمجلس الأمن ولا بنداءات الناس في مختلف أقطار العالم في الشوارع والطرقات والمدن والجامعات والمدارس والمساجد والكنائس لأنها كانت تدعي تخليص العالم من ldquo;خطر أسلحة الدمار الشاملrdquo; في كذبة لا أخلاقية باتت مضرباً للأمثال، وها هي اليوم تغادر العراق مع الحرص على تسويق كذبة جديدة أخرى، وهي الديمقراطية العراقية الجديدة التي نرى فصولها الأكثر سوءاً في سياسات السيد المالكي المتسمة بالتصعيد الطائفي والانفرادية. ورغم التصريحاتrdquo;الوطنية جداًrdquo; التي افتتح بها المالكي عصر ما بعد الاحتلال الأمريكي المباشر، فإن الممارسة العملية على الأرض، كانت الترجمة الفعلية لثمار الديمقراطية العراقية الجديدة، حيث لم تكد تمر ساعات على إعلان قوات الاحتلال انسحابها، حتى فوجئ العالم بعدة تطورات مؤسفة حول نوايا السيد المالكي تجاه معارضيه بصفة عامة والسنة منهم بصفة خاصة، حيث دعا المالكي البرلمان إلى ldquo;سحب الثقةrdquo; من نائبه صالح المطلق، بعدما وصفه هذا الأخير في مقابلات صحافية بأنه ldquo;ديكتاتور أسوأ من صدام حسينrdquo;، كما أصدر مذكرة اعتقال لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وإصدار أوامر بمحاصرة منزله، بزعم تورطه في تفجيرات وعمليات إرهابية، تأكيداً للمخاوف من احتمال انزلاق العراق من جديد في دوامة العنف التي اتخذت صبغة طائفية، كترجمة حتمية لثمار الديمقراطية العراقية التي تغنى بها الرئيس أوباما. الحقيقة أنه إذا كانت الحرب الأمريكية على العراق لم تنجح لأنها كانت من أغبى الحروب في كل الأزمان، فإنها نجحت فقط في إحياء النعرات القديمة، وأيقظت التطرف، وحولت الساحة العراقية إلى ملجأ لجميع الحركات والعصابات المتطرفة كما نجحوا في زرع نظام حكم، يستند إلى المحاصصة الطائفية بدلاً من إرساء دعائم حكم وطني ديمقراطي، حيث تشكل حكومة المالكي في صورتها الإقصائية الحالية نموذجاً لهذا التوجه السلبي لتفتيت الوحدة الوطنية العراقية أو ما بقي منها، فضلاً عما يثار من شبهات حول رهن الإرادة السياسية للسيطرة الإيرانية بمختلف ترجماتها على الأرض، من خلال التيارات والجمعيات والأحزاب الدينية الطائفية المؤيدة لإيران. إن الثمرة الوحيدة للاحتلال الأمريكي للعراق يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط: الأولى: تخليص البلاد من نظام البعث الاستبدادي بالقوة بفاتورة عالية جداً دفع العراقيون مقابلها من حياتهم ودمائهم وثرواتهم الكثير. ثانيا: تهشيم الدولة العراقية بمختلف ركائزها وإحلال دولة العشائر والطوائف محلها، بما ينبئ بالاتجاه التدريجي نحو التقسيم. ثالثا: بناء نظام المحاصصة بدلاً من النظام الديمقراطي الذي يتطلع إليه العراقيون، وهو أسوأ من نظام البعث الاستبدادي. إن ما تركته الولايات المتحدة الأمريكية وراءها في العراق لا يعدو أن يكون كارثة تاريخية وسياسية غير مسبوقة، فقد تركت شبكة من العملاء في مواقع حساسة في الدولة العراقية، من أمثال أحمد الجلبي، وآخرين يظهرون ولاءهم ظاهرياً لأمريكا ويعملون لصالح إيران ويخدمون طموحاتها التوسعية في العراق والمنطقة، ومنهم من يحاول الإمساك بالمستقبل العراقي من خلال صياغة تيار ظاهره علماني التوجه، وباطنه طائفي يدين بالولاء لإيران. وبالرغم من أن الكثيرين يجمعون اليوم حول أن الأسوأ مازال بانتظار العراقيين بسبب مواصلة السياسات الطائفية والتأثير المتزايد لإيران على استقلال القرار العراقي المستقل، فإننا مانزال نعتقد من أن العراق والعراقيين أكبر من المالكي وغير المالكي من الذين قادوا العراق إلى مستنقع التوتر والتدهور والتصعيد.