رندة تقي الدين

ظهر الرئيس السوري هادئاً ومرتاحاً ومتفائلاً في خطابه أمس. وأمامه مدعوون لم يحسنوا اختيار لحظات التصفيق.

فهم صفقوا بعد شنّه الهجوم على الجامعة العربية وقوله إنها مجرد انعكاس للوضع المزري العربي. وهذا الهجوم ألغى المبادرة العربية وبنودها ونصائحها. كما ركز الأسد على laquo;المؤامرة العالميةraquo; بقيادة أحفاد سايكس بيكو ودول عربية وإقليمية وأكد أن سورية ستهزمهم جميعاً.

وكما في مقابلته الشهيرة مع الصحافية الأميركية باربارا وولترز كان مضمون الخطاب إنكار واقع الحراك الشعبي السوري من أجل الحرية وحياة أفضل والتركيز على حربه ضد الإرهاب. وسمى في خطابه أكثر من أربع مئة تظاهرة في جميع أنحاء سورية بأنها 400 بؤرة. ووعد بأنه سيضرب بيد من حديد.

وذكر الرئيس السوري أنه جاهز للحوار ولكن جزءاً من المعارضة غير جاهز وأنه أقر إصلاحات مهمة وهو والشعب السوري بانتظار استفتاء على الدستور الجديد.

إن فحوى الانتقاد الشديد الذي وجهه الأسد للجامعة يشير إلى إلغائه أي معنى لمهمة المراقبين العرب قبل أن يضعوا تقريراً لتقييمهم للأوضاع. وكأنه يسهل رغبة التدويل التي تطالب بها المعارضة وبعض أعضاء الجامعة والدول الغربية الكبرى. إن الوضع في سورية آيل إلى المزيد من العنف والمزيد من الضحايا والمزيد من الانهيار الاقتصادي نتيجة الضغوط العالمية والعربية. وداخلياً هناك ضعف الليرة السورية وضعف التبادل التجاري وتأثر القطاع السياحي بشدة ومشاكل معيشية من نقص في الوقود وحركة المواصلات الداخلية، وكلها تعكس واقعاً صعباً لما وصلت إليه الأزمة السورية ويدفع إلى المزيد من التساؤل حول طول فترة استمرارها.

لا شك في أن هناك إشكاليات ضمن المعارضة السورية ولكنها ضخمت وتم تحويرها. فالاختلافات طبيعية داخل معارضة منبثقة من تيارات فكرية مختلفة فيها. ولكن أهمية هذه المعارضة أنها صوت الحراك الداخلي المحرك الأساسي للتغيير. فلا يعقل أن يتحرك الملايين ويخاطروا بحياتهم أمام أدوات القمع ويكونون مدفوعين من الخارج. فالخارج الذي يدفع إلى المزيد من العنف والقمع هو الحليف الإيراني الذي يحمي نظاماً يمكنه من تطبيق نهجه العدواني في المنطقة والعالم.

في الواقع أن ما تحتاجه حركة الشعب السوري من الدول الغربية الكبرى هو آلية عمل لمساندتها. والطرح الروسي لا يشجع حتى اليوم على موقف عملي وقوي في مجلس الأمن. وينبغي العمل على الفكرة المهمة التي أشار إليها وزير خارجية فرنسا ألان جوبيه وهي إنشاء ممرات إنسانية داخل سورية.

إن موقف النظام السوري كما موقف حلفائه في لبنان هو إنكار لواقع ثورة حقيقية من أجل الحرية التي لم يحرم منها لبنان على رغم جرائم قتل شهدائه الذين سقطوا من أجل التحرر من وطأة نظام وضع أسس اللعبة السياسية في لبنان. وتثير الحزن مواقف الحلفاء اللبنانيين للنظام السوري تجاه شعب شقيق يتعرض للتعذيب والقتل ويواجه بشجاعة، في حين أن الحكم في لبنان ومن يناصرونه يؤيدون قتل هذا الشعب تحت عنوان مواجهة الإرهاب و laquo;القاعدةraquo;. فالمستقبل القريب سيظهر قصر نظر هؤلاء الذين يقومون بالرهان الخاطئ، كما فعل بعضهم وراهن سابقاً على دعم صدام حسين.