الوطن السعودية

اشتعال الصراع بين الثوار الليبيين مؤشر خطير على المنزلق الذي تدخله ليبيا بعد سقوط القذافي، فمما لا شك فيه أن معمر القذافي قاد ليبيا على مدى الأربعين عاما الماضية نحو الدمار، مهملا بلده الغني بالنفط، ومسيئا في علاقاته الخارجية مع كل الدول، ومن ثم فإن سقوطه هو إنجاز بحد ذاته يحسب لليبيين، ولكن التطورات الأخيرة التي تشهدها ليبيا من تناحر لميلشيات الثوار أمر خطير يستدعي النظر من قبل كل المهتمين بالشأن الليبي، وذلك حتى لا تتحول ليبيا في يوم من الأيام إلى مثال آخر من أمثلة الدول التي تتفكك بين أيدي أمراء الحرب وتسقط في الفوضى وعدم الاستقرار.
الاشتباكات التي شهدتها طرابلس في الأيام الماضية أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى، حيث لا تزال المليشيات تمتلك كميات كبيرة من الأسلحة بما فيها الأسلحة الثقيلة، وقد شهدت هذه الاشتباكات استخدام قاذفات، وهو ما يدل على مدى العمق الذي يمكن لمثل هذه الأزمات أن تصل إليه إذا توسعت أو أتيح لها المجال.
دور الحكومة المؤقتة مهم في هذه الفترة، ولكن مع الأسف لا تزال هذه الحكومة غير قادرة على دمج المليشيات في الجيش الوطني الليبي، حيث إن عامل التنافس بين هذه المليشيات قوي وكبير، وهو ما يظهر من انقسامها حول مدنها، ومحاولة سيطرة كل مليشيا على مكتسبات أكبر من الأطراف الأخرى، فثوار الزنتان على سبيل المثال لا الحصر لا يزالون يسيطرون على مطار طرابلس، وهو ما دفع إلى الاشتباك مع ثوار طرابلس، وهم من قبض على سيف الإسلام ولا يزالون يرفضون تسليمه للحكومة المؤقتة، وهذه كلها دلائل على عدم تشكل نسيج الدولة بحكومة قوية إلى الآن.
تسليم الأسلحة ودمج الثوار في الجيش الوطني هو الخطوة الأولى والضرورية الآن لإعادة الاستقرار إلى الناس في ليبيا، وإرساء الشعور بتواجد الدولة، ودون ذلك فإن فشل حكومة ليبيا يعني انهيار الدولة بأكملها في أزمة داخلية قد تأخذ سنوات للعلاج، ولأن ليبيا دولة غنية بالنفط فإن الكثير من القوى الخارجية قد لا يسرها تقدم ليبيا.
إن الوضع الليبي الحساس اليوم يستدعي سرعة التحرك من القوى الداخلية الليبية على وجه الخصوص، ومن القوى الإقليمية التي تسعى إلى أن تعود ليبيا دولة عربية فاعلة.