قوات ردع عربية الى سورية... لمَ لا؟

عبدالوهاب بدرخان
الحياة
ما الذي أطلق فجأة فكرة ارسال قوات عربية الى سورية لوقف القتل وإراقة الدماء؟ انه بلا شك الخطاب الرابع للرئيس السوري، بما تضمنه من ترجيح فجّ للاتجاه الى الحرب الأهلية. فهذا المنطق يقود الى ذاك المنطق، اذ إن حال انفراد النظام بآلة العنف تعني أنه لن يتردد في ارتكاب أكبر المجازر وأكثرها فظاعة لـ laquo;استعادة الاستقرارraquo; التي أعطاها أولوية.
اذا كان لهذه الفكرة أن تتحقق فلا ريب أنها ستتطلب قراراً عربياً شجاعاً واستثنائياً. ولا أحد يتوقع أن يكون قراراً سهل المنال. سيكون هناك من يحذّر من laquo;اللبننةraquo; أو laquo;العرقنةraquo; أو من التجربة الليبية، غير أن التذرع بهذه السوابق لتبرير التهاون وعدم التحرك ليس خياراً بل تهرباً من المسؤولية. فالعرب أمام وضع غير مسبوق ويفترض ردود فعل غيرمسبوقة، أو سيكون عليهم أن يقولوا علناً إنهم في هذه اللحظة التاريخية يميّزون فعلاً بين شعب عربي وشعب عربي آخر، وإنهم وجدوا بالأمس أسباباً للانحياز الى شعب ليبيا ويجدون اليوم أسباباً للتقاعس في مساعدة شعب سورية رغم أنه يواجه ارهاب الدولة نفسه إن لم يكن أعتى.
صحيح أن سورية لا تتعرض حالياً لغزو خارجي يستوجب نصرتها لكن وقائع القتل اليومي باتت تنمّ عن تعرض الشعب لعدوانية بشعة لا تنفك تستشرس من دون ضوابط أو رحمة. فلنتذكر الأخبار عن laquo;حصارات التجويعraquo; وقطع الماء والكهرباء، وعن قصف المدن والبلدات واغلاقها، وعن منع مرور الأغذية والأدوية، وعن اطلاق النار على المسعفين والغائثين واقتحام المستشفيات وخطف الجرحى أو تصفيتهم، وأخيراً عن منع دخول laquo;قافلة الحريةraquo; واضطرار المراقبين العرب الى التفاوض على تمرير الخبز هنا وهناك... هذا يحدث في سورية وليس في غزة أو جنين، وفي ظل النظام الحاكم لا تحت الاحتلال الاسرائيلي.
سيكون على الاجتماع الوزاري العربي المقبل أن يبتّ مصير مهمة المراقبين التي فقدت فاعليتها منذ أول رصاصة انطلقت فوق رؤوسهم، لكن عليه خصوصاً أن يبتّ مصير المبادرة العربية، فهذه اللحظة المؤجلة أزفت أخيراً، وها هي الحاجة تمسّ الى بدائل.
قبل أيام كان لا يزال هناك نظرياً بديل هو احالة المبادرة نفسها الى مجلس الأمن ليتبناها، وكان يقال إن هذا التحرك سـ laquo;يحرجraquo; دولتَي الفيتو روسيا والصين. لكن هذا البديل سقط، اذ لم يعد النظام في سورية مبالياً بما يتضمنه التقرير الثاني وربما الأخير للمراقبين ولا معنياً بالدور العربي، بدليل هجوم الرئيس السوري على الجامعة و laquo;مستعربيهاraquo;.
أصبح النظام معنياً أكثر بما يراه من laquo;أقلمةraquo; و laquo;تدويلraquo; محتملين يضعان سورية وايران وروسيا في مواجهة laquo;المؤامرةraquo; نفسها، ويأمل في أن يساعداه على النفاذ من مأزقه، فهذا ما تمناه دائماً وهذا ما يعتقد أنه يتقنه، لذا رأى أن يفوّت فرصة الخطاب العقلاني لمصلحة خطاب التحدي ليكون أكثر انسجاماً مع فورة الاستياء الروسية في مجلس الأمن ومع استعراضات القوة الايرانية.
وقبيل الخطاب كانت مواقف عدة شجعت على laquo;حوارraquo; بين النظام والمعارضة، بما فيها ذاك الذي أعلنه بابا الفاتيكان وعواصم عدة غير معجبة بالنظام ولا بممارساته. لذا علا سقف التوقعات من بشّار الأسد، ثم هوى الى الحضيض بعدما تكلّم، فحتى وزير الخارجية الفرنسي بدا متفاجئاً بـ laquo;خيبة الأملraquo;، ربما لأنه انتظر مثل آخرين كلاماً عقلانياً ورزيناً يصلح تمهيداً لـ laquo;الحوارraquo;، فهذا ما يفترض سماعه من أي رئيس يريد ملاقاة شعبه. كانوا جميعاً واهمين، وكان الأسد كمن يقول لهم laquo;أنتم لم تعرفوني بعدraquo;. الوحيدون الذين يعرفونه جيداً هم الذين يتظاهرون ضدّه ويتلقّون طلقات عناصر أمنه و laquo;شبيحتهraquo; ولا ينتظرون سوى اللحظة التي يعلن فيها تنحيه أو رحيله.
أراد الرئيس السوري أن يبلغ من يهمه الأمر في المجتمع الدولي - أو أطراف laquo;المؤامرةraquo; كما يعتقد - أنه بدأ لتوّه مرحلة جديدة من المواجهة، وأنهم اذا اعتقدوا أنهم اخترقوا laquo;ممانعتهraquo; من خلال المبادرة العربية والمراقبين فما عليهم سوى أن ينعوا هذه المحاولة. وبديهي أن رسالة بان كي مون إليه من بيروت بأن laquo;مسار القمع طريق مسدودraquo; لن تبدّل شيئاً في روايته عن laquo;المؤامرةraquo;.
ليس مؤكداً أن الأسد استطاع تحقيق هدفه الآخر من الخطاب، وهو طمأنة من يوالونه وشدّ عزيمتهم، حتى لو نزلوا بعدها الى ساحة الأمويين، أما الأكيد فهو أنه أعطى زخماً مضاعفاً للانتفاضة الشعبية التي هان عليها تحدّي البرد والثلوج بعدما استهانت بتحدّي الموت.
ثم جاء الجواب على التحدي من واشنطن: مهمة المراقبين لن تستمر الى ما لا نهاية، ثم من واشنطن عبر قطر: ارسال قوات عربية لوقف اراقة الدماء. هي اليوم مجرد فكرة أو اقتراح للقول بأن العالم ادرك بعد خطاب الأسد أن النظام اتخذ قراره انه ذاهب الى حرب أهلية، أي الى القتل العاري بلا أي حساب، ولا حاجة الى خطاب خامس لفهم ذلك. ومن لا يزال غير مصدّق أو يحاول الانكار، جاء شعار الانتفاضة laquo;جمعة الجيش الحرّraquo; واضحاً وبليغاً، فبعد اليأس من المجتمع الدولي والجامعة العربية، لم يبقَ سوى جيش المنشقين لـ laquo;حماية المدنيينraquo;، ولا يجهل أبناء الانتفاضة أن جيشهم هذا لا يزال ضعيفاً وقليل التجهيز، لكنهم يريدون أن ينتظروه وأن يتحملوا مزيداً من التضحيات ليروه قادراً على حمايتهم. ليس صدفة أن يصبح هذا الجيش بمثابة ذراع عسكرية لـ laquo;المجلس الوطني السوريraquo;، اذ فرضه منطق الأرض والأحداث وباتت مدن عدة تعوّل عليه، فأفراده من عائلاتها وابنائها، ثم إن وجوده يقوّي المبررات لاقامة laquo;المنطقة العازلةraquo; التي طال الحديث عنها.
لا بدّ أن وضع اقتراح ارسال قوات عربية الى سورية في التداول يذكّر دمشق، بمعزل عن تطبيقه أو عدمه، بأن التاريخ يعيد نفسه لكن في اتجاه معاكس. قبل خمسة وثلاثين عاماً كان استفحال الحرب الأهلية جعل القوى الدولية تحث الدول العربية على ارسال laquo;قوات ردع عربيةraquo; الى لبنان، بمشاركة سورية التي ما لبثت أن أفسدت مهمة تلك القوات وأفشلتها لتبقى قواتها وحدها طيلة تسعة وعشرين عاماً ولم تخرج من لبنان إلا بانتفاضة شعبية وبعدما فقدت الغطاء الدولي لوجودها. ها هي نذر الحرب الأهلية في سورية تحرك الخيار ذاته تجنباً لتدخل عسكري دولي لا تبدو القوى المعنية متحمسة له رغم رغبتها في رؤية خط النهاية لهذا النظام.
حلفاء بشار: اقفزوا من سفينة غارقة!
علي حماده
النهار اللبنانية
لم يعد السؤال هل يسقط النظام في سوريا؟ بل متى يسقط؟ فقد خرجت سوريا تقريبا عن سيطرة النظام، وتحولت ساحة مواجهة واسعة تمتد من درعا جنوبا الى ادلب شمالا ومن اللاذقية ساحلا الى البوكمال في الداخل. واتى خطاب بشار الاسد الاخير، الذي اعلن فيه صراحة انه ماض في خوض الحرب ضد الشعب، واصفا الثوار بعصابات مسلحة ورافضا الحياد في المعركة، على قاعدة ان من ليس مع النظام فهو ضده ليؤكد بدايات الانهيار. هذه الصورة التي رسمها بشار في خطابه الاخير مصدرها الواقع على الارض، ففي حين يعتبر النظام انه الاقوى عسكريا وامنيا ويدافع عن بقائه بإراقة المزيد من السوريين، خرجت البلاد عن سيطرته. وصار على بشار ان يقتل المئات اسبوعا بعد اسبوع لئلا يسقط. انه واقع احتلالي بامتياز. يذكر بجيوش الاحتلال في مراحلها الاخيرة عندما يسقط جدار الخوف مما يحول السيطرة استحالة دائمة، ويجعل السقوط حتمية.
في سوريا حالة احتلالية موصوفة. وبشار الاسد لا يملك ان يتجاهل هذا الواقع حتى لو كان مرا وصعبا للغاية. فهو يعيس يوميا لحظات سقوط quot;جمهورية حافظ الاسدquot; التي ورثها كمن يرث حقلا او بيدرا بأهله! سوريا 2011- 2012 ليست سوريا حافظ الاسد. انتهت هذه المهزلة، وانتهت هذه الكذبة الكبيرة التييصدقها القابض على الزناد وحده، ويقبل بها الخاضع للمسدس الموجه الى رأسه. لذا يستحيل ان يحلم بشار وبطانته بسوريا يستمرون في حكمها، او بسوريا شبيهة بتلك التي اورثهم اياها حافظ الاسد. كانت سوريا تلك اشبه بالمقبرة المسكونة بالناس. واليوم خرج الشعب ليقول كلمته. بدأت الثورة سلمية، وستتحول مع ايغال النظام في القتل مواجهة مسلحة. وثمة من يعتقد ان الحرب الاهلية قادمة لا محالة بعدما ورط النظام قسماً من العلويين في القتل على قاعدة اقناعهم بأن اي تغيير سوف يؤدي الى اضطهادهم! وفي مطلق الاحوال إن الحرب الاهلية اذا ما قامت فعليا وفي شكل لا عودة منه، فإنها لن تكون في مصلحة من يسيرون في ركب بشار الاسد وبطانته. لقد انتهت تلك المرحلة، وعجلة التاريخ لا تعود الى الخلف. وقد صار بقاء النظام معلقا بموقف روسي لا بد ان يتغير في وقت من الاوقات. وحسب وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو (خلال زيارته لبيروت قبل ايام) فإن المفاوضات مع موسكو قائمة على قدم وساق حول ملفات تتعدى ملف سوريا او ملفات المنطقة. كل ذلك مع تواتر انباء لم تتأكد تماما بعد تفيد ان الصين تتجه للعودة الى موقفها التقليدي القاضي بالامتناع عن التصويت في مجلس الامن في حال مناقشة قرار جديد حول سوريا. فهل تبقى روسيا وحدها مع بشار في مواجهة السوريين والعالم؟ اكثر من ذلك ثمة من يرى انه حالما يفرغ فلاديمير بوتين من معركته الرئاسية في الاسبوع الاول من آذار المقبل سيكون لموسكو موقف مختلف عما سبق بالنسبة الى الازمة السورية.
في مطلق الاحوال، المهم بالنسبة الينا في لبنان هو ألا يتوهم بعضنا ان بشار باق: انتهى الامر، فاقفزوا من السفينة... وبسرعة !