هآرتس

ما هو العدد الذي يحدد؟ هل هو اربعة آلاف؟ هل هو خمسة آلاف؟ وكم من الناس يجب ان يموتوا؟ ألا يكفي ستة آلاف؟ هل ستة آلاف قتيل في دولة ليس فيها نفط كثير يعادلون فقط 600 قتيل في دولة غنية بالنفط؟ ما هو الحادث الذي سيحدد؟ هل هو اطلاق قناصة النار بلا تمييز حتى في الجنازات؟ هل هو قتل اولاد؟ هل هو اطلاق دبابات النار بصورة منهجية على مراكز المدن؟ هل هو اعمال تعذيب شديد حتى الموت لمتظاهرين أمام جمهور كبير؟ أم ربما أحداث ارهاب يُخرجها النظام نفسه في عاصمته كأفضل التراث المجيد لاحراق الرايخستاغ؟.
ما هو الخط الاحمر الذي سيجعل اجتيازه العالم يقول الى هنا؟ اذا كان الدم السوري رخيصا بهذا القدر، أربما يكون جرح مراقبي الجامعة العربية هو الخط الاحمر؟ أو اطلاق قذائف رجم مباشرة على مجموعة صحافيين اجانب وموت صحافي فرنسي؟ ما هو الفرق في الصرف بين دم ودم؟.
ان الثورة السورية بين جميع الثورات في العالم العربي تبدو بأنها الأكثر تأثيرا وبطولة. ففي تونس ومصر أيد الجيش المتظاهرين في غضون زمن قصير نسبيا وفرض تغييرا للسلطة مباشرا تقريبا أيده دعم امريكي. وكان الصراع في ليبيا أطول لكنه اصطبغ منذ البداية بصبغة حرب أهلية في الوقت الذي استعان فيه المتظاهرون بسلاح متنوع وبمساعدة عسكرية من حلف شمال الاطلسي بعد ذلك.
لم يلق متظاهرون ضابطون لأنفسهم بهذا القدر في أية دولة عربية سوى سوريا قمعا عنيفا بهذا القدر ومصمما بهذا القدر ووحشيا بهذا القدر. ولم يتخلى عنهم العالم المتنور بهذا الشكل في أية دولة عربية اخرى. وبرغم المخاطرة العظيمة والضحايا الكثيرين واحتمالات النجاح غير الواضحة، يخرجون الى الشوارع كل يوم بلا سلاح وبلا تأييد وبالايمان فقط. اجل يجوز ان نتأثر بالنضال البطولي من اجل الحرية ومظاهر شجاعة مذهلة في دولة معادية ايضا.
ان الرد الاسرائيلي على ما يحدث في سوريا أقل تأثيرا في النفس. فقد تنكر وزير الدفاع اهود باراك كعادته بزي متنبئة بالمستقبل وتنبأ بأن بشار الاسد سيسقط في غضون اسابيع معدودة. ومرت منذ ذلك الحين اسابيع كثيرة وما يزال الاسد يحكم ويذبح. ويبدو في المقابل ان جهاز الامن يسوده ذعر من امكانية ان ينجح النضال من اجل الحرية وان يسقط النظام في سوريا. فقد تحدث رئيس الاركان بني غانتس عن تيار لاجئين علويين قد يُغرق اسرائيل في هذه الحال وعن استعداد ملائم للجيش الاسرائيلي. وتُسمع صباح مساء تنبؤات سوداوية بنقل سلاح سوري خطير الى حزب الله.
يمكن ان نقرأ بين السطور ان اسرائيل غير معنية بسقوط الاسد. فهي تعاضد الاسد من غير ان يرى أحد. تدعو اسرائيل الله في الخفاء ان يصمد النظام الاستبدادي السوري القاتل. فهو نظام استبدادي يعني هدوءا في الجولان بغير تهديد السلام. واسرائيل كما هي دائما تفضل الوضع الراهن وعالم الأمس. فعالم الغد لا يهمها حتى لو كانت تكمن فيه آمال وتغييرات آسرة.
أربما يفضي سقوط الاسد خاصة الى اضعاف حزب الله وايران في لبنان والمنطقة كلها؟ من يهمه هذا. فالتهديدات أفضل بالنسبة إلينا. ان الانتفاضة السورية قد سببت انتقال حماس من دمشق الى عواصم عربية اخرى وسببت اعتدالها. لكن يبدو أننا نفضل حماس المتطرفة.
ان القيادة الاسرائيلية الحالية مركبة من ناس الأمس الذين ينظرون أمامهم الى الماضي ويسبحون بعكس تيار التاريخ ويهربون ذعرا من كل تغيير. فالمعروف أفضل من الجيد والمناسب. من يعلم، ربما يكون في تيار اللاجئين العلويين الذين يتنبأون بهم هنا الاسد وأبناء عائلته ايضا. اذا كانوا يعاضدون الاسد عندنا فهل ربما يمنحونه اللجوء السياسي؟.
ينبغي ان نعترف بأن هذه هي ساعة الشعب السوري الجميلة وهي ليست ساعتنا الجميلة.