مسقط - ldquo;الخليجrdquo;:

عندما لامس الحديث حدود مصر، لم يستطع أن يخبئ دموعاً فجرها قلقه على مستقبل هذا البلد، قلق من مقبل الأيام وما تخبئه، قلق يطال مستقبل الفن وأفقه . . محمد صبحي الفنان الكبير الذي يرفض أن يتخلى عن دوره في صناعة الثقافة مهما عظمت الإغراءات، وصاحب مسرحيات ldquo;انتهى الدرس يا غبيrdquo;، ldquo;الجوكرrdquo;، ldquo;ماما أمريكاrdquo;، وrdquo;تخاريفrdquo; التي حفرت مكانها في ذاكرة الثقافة العربية، تحدّث لنا في هذا الحوار من القلب وكنا قد التقيناه على هامش الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العماني .

أعلنت في الأيام الأولى من المهرجان موت المسرح العربي، الأمر الذي أغضب كثيرين واستدعى ردوداً منهم، لماذا أنت متشائم إلى هذا الحد؟ وهل أنت متفائل بحراك المسرح بعد الثورات العربية؟

لأن المسرح في العرف هو ما يحقق المتعة البصرية والسمعية والذهنية، ويثير الدهشة في الوقت نفسه، وأنا أرى أن المسرح العربي قد مات منذ عشر سنوات أو أكثر، ونريد جيلاً جديداً لكي يقوّم هذا المسرح من جديد، وأقول ذلك ليس لأن القنوات التلفزيونية ووسائل التقنية الحديثة طغت على حياتنا، فهذه الاختراعات مهما كانت لا تستطيع أن تلغي دور ومكانة المسرح، لأن لديه خاصية المواجهة، ولكن لأن الإسفاف والابتذال دخلا المسرح، للأسف الشديد، لا يمكن لنا أن نصف ما يقدم الآن بأنه مسرح .

بالنسبة إلى المسرح بعد الثورات العربية، فأنا لست من النوع الذي تجرفه الأمنيات والرغبات، فأنا لا أعتقد أن البشر سيمتلكون أجنحة بيضاً بعد الثورات، لا توجد ضمانات لذلك الآن على الأقل . . فالثورة بحاجة إلى أن تعيش مخاضات عديدة والتغيير لا يأتي بين يوم وليلة .

شاركت في الانتخابات المصرية الأخيرة لأول مرة، وطلبت من مجلس الشعب الجديد أن يبتعد عن مناقشة توافه الأمور إلى موضوعات أخرى مصيرية، ما مدى قلقك على الفن من تغيرات الحياة السياسية في مصر؟

نعم، فأنا لم أشارك في أية انتخابات طوال فترة الحكم السابق وكان من واجبي اليوم بعد الثورة أن أمنح صوتي لمن يستحقه . في ما يخص الفن اليوم في مصر، أنا ضد الفن الذي يخدش الحياء ويثير الغرائز، ويهدم القيم، وفي الوقت ذاته ضد الحجر على حرية الفكر والتعبير، نحن نريد فناً معتدلاً يكون بعيداً عن الإسفاف والابتذال وفي الوقت نفسه فناً ليس متشدداً بمعنى أو بآخر .

الكثير من المخرجين والفنانين المصريين تصدوا اليوم لإنجاز أعمال تحكي عن الثورة المصرية، هل تعتقد أن هذه الأعمال ستكون حقيقية وواقعية، وهل أنت مستعد لخوض تجربة كهذه؟

أنا أستغرب من هؤلاء، فمن المبكر جداً الحديث في أي عمل عن الثورة المصرية التي يجب أن ننتظر أن تنتهي فصولها حتى نتمكن من كتابة وتكوين صورة دقيقة وواضحة لما جرى على الأرض . . أعتقد أن الجمهور لن يصدق هذه الأعمال . بالنسبة إليّ أنا شخصياً، لا أستطيع أن أترجم الأحداث الآن، لأن لي وجهة نظر أصلاً في الثورة، فأنا لم أطبل للنظام السابق، وأيضاً لن أطبل وأزمر للثورة . ولذلك كله فإن ترجمة الثورة بأعمال هو أمر ربما يحدث مستقبلاً، فأنا لدي تلاميذ كثيرون يمكنهم أن يترجموا مستقبلاً ما حدث ويقوموا بهذه المهمة .

لديك مسرحية جاهزة للعرض اسمها ldquo;خيبتناrdquo;، ما الطرح الذي تقدمه من خلالها وما الذي يؤخر تقديمها؟

في مسرحية ldquo;خيبتناrdquo; التي كانت ستعرض ضمن مهرجان المسرح للجميع، وتأخر عرضها بعد ثورة 25 يناير، أتعرض لتجربة الهندسة الوراثية، حيث تسعى الدول المتقدمة علمياً إلى السيطرة على بقية الشعوب، بالوصول إلى الجينات . المسرحية عمل كوميدي ناقد وقد استلزمت سنوات طويلة من الجهد والعمل منذ عام 2004 تقريباً، وما يؤخر عرضها اليوم هو الوضع غير المستقر في البلد، فالمسرح في حاجة إلى أن يكون الممثل في حالة مزاجية جيدة حتى يستطيع أن يوصل رسالته . . أتمنى أن تتحسن ظروف مصر حتى أتمكن من تقديم هذه الرسالة .

أنت من عشاق السينما ونعلم أن حبها يسري في وجدانك . . لماذا عزفت عنها؟

عندما كنت طفلاً صغيراً عشت مع أسرتي بالقرب من شارع محمد علي الذي كان يطلق عليه شارع الفن، حيث كان يوجد به العديد من المسارح ودور السينما، وكان منزل أسرتي يقع أمام دارين للسينما شهيرتين هما سينما ldquo;الكرنكrdquo; وسينما ldquo;باراديrdquo; الصيفي، ونشأت مع الأفلام التي تعرضها هاتان الداران، فكانت السبب لتقديمي 23 فيلماً سينمائياً، بعضها كان من علامات السينما المصرية، وفي آخر فيلم قدمته قررت التوقف، حيث بدأت سينما المقالاوت في الظهور، واخترت التركيز على المسرح، ففيه يملك الفنان كل أدوات النجاح، أما في السينما فالنجاح والفشل بيد المخرج، وهو من ينسب إليه نجاح هذا الفيلم من عدمه . وأنا أريد أن أقدم فناً راقياً مختلفاً يعمل على استفزاز المشاهد وإثارة دهشته وتفكيره .

سنترك لك حرية الختام . . ما الذي تريد أن تقوله؟

منذ أعوام كان هنالك مهرجانات مسرحية في الأردن وتونس وسوريا والجزائر والمغرب والكويت والعراق والإمارات، وكنتُ أرى وجود زخم وحراك على الأقل قبل 15 عاماً من الآن، هذه اللقاءات انخفض عددها حتى باتت اليوم نادرة، وللأسف كانت هي التي توفر أرضية التعارف بهويتنا العربية الخاصة بالفن والمسرح . كانت هنالك محاولة لإيجاد إدارة للمسرح العربي، ولكن لا أدري لماذا فشلت أو لم تستمر . .؟ لذا لم نعد نرى أعمالاً مسرحية يمكن أن نتذكرها في السنوات الأخيرة، وكنتُ دائماً ما أقول إنّ ما فشل فيه رجال السياسة يمكن للمسرح العربي أن يُحققه، ولكن اليوم لا أعرف مدى إمكان أن يتحقق أي شيء من هذا . وقد أبدو كالأحمق ومثار سخرية وأنا أؤكد إيماني الدائم بقوميتي العربية، ولكن هذه هي أمنياتي .