بعد عام على انطلاق الثورات الشعبية في البلدان العربية، يطرح السؤال أين اخفقت هذه الثورات وأين حققت اهدافها؟ ما هو مستقبل بعض الانظمة العربية التي لا تزال حتى الآن تشهد تلك الثورات، وهل فعلاً اعادت رسم العلاقة بين السلطة والمواطن بعدما اضطر الحاكم الاستجابة للشعب؟.


بيروت: يرى معن بشور ( المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية) في حديثه لإيلاف انه من الصعب الحديث عن الانتفاضات العربية وكأنها شيء واحد، ولكن بدون شك هذا المناخ الذي انطلق في الوطن العربي مع نهايات العام الماضي، واستمر طيلة العام الحالي، مناخ سيترك آثاره على الحياة العربية لفترة طويلة، خصوصًا في ما يتعلق بدور الشعب في تقرير مصيره، لقد مرت عقود كان الشعب مغيبًا، بشكل كامل عن القرار، وكانت حقوق المواطن مسلوبة الى حد كبير، هذه الانتفاضات اعادت رسم العلاقة بين السلطة والمواطن، وبات كل حاكم اكثر تحسسًا لمشاعر مواطنيه ومطالبهم وحقوقهم، وهذا امر سينعكس بالتأكيد على سلامة التوجه العام في المنطقة العربية، بحيث تصبح قرارات الحكم اكثر استجابة لارادة الشعوب.

ماذا عن الاخفاقات التي واجهتها؟ يجيب بشور:quot; اعتقد ان المسار الانتفاضي العربي هو مسار طويل، يواجه صعوبات متعددة تختلف مع اختلاف ساحات هذه الانتفاضات، ولذلك نلاحظ مثلاً ان بعض الثورات المنتصرة كما هو في مصر، لم تستقر بعد على قرار في ما يتعلق بحاضرها وبطبيعة العلاقات بين قواها، وبين مستقبلها، هناك بالتأكيد انتفاضات واجهت عنفًا كبيرًا، جعل الكثيرين يضعون علامات استفهام على اصل هذه الانتفاضات، واذا ما كانت فعلاً من صناعة الشعوب ام من صناعات خارجية مفروضة على الشعوب، ويضيف:quot; اعتقد ايضًا ان هذه الانتفاضات في بعض الساحات، قد افسحت المجال لتدخلات خارجية ولفتن اهلية ذات طابع مذهبي او طائفي، وربما هذا ما منعها من تحقيق كل اهدافها، لقد بدأت هذه الانتفاضات في تونس ثم في مصر، كحركة شعبية اصيلة، دون اي تأثير خارجي، ولكن بعد ذلك، وبعد ان فوجئت القوى الخارجية وخصوصًا في الغرب، بهذا الحراك الشعبي، اعتقد انهم عمدوا الى التدخل فيه باشكال مختلفة، وربما هذا هو الخطر الرئيسي الذي يتهدد كل هذه الانتفاضات.

بدائل وانظمة

هل البدائل التي نشهدها اليوم عن الانظمة هي افضل مما سبق؟ يجيب بشور:quot; لا يستطيع المرء ان يحاكم الامور على هذا النحو، الذي يجري اليوم هو مسار طبيعي لهذا التغيير، وهو خيار طبيعي للمواطنين في هذه الاقطار، فاذا كان البعض يعتبر ان وصول اسلاميين الى السلطة في اقطار عربية عدة، لن يجعل هذه البلاد في حال افضل مما كانت عليه في وقت سابق، فانا من الذين يعتقدون انه بغض النظر عن رأينا في طبيعة توجه هذه الحركة الاسلامية او تلك، فعلينا ان نحترم ارادة الشعوب لان الديموقراطية لا تفصَّل على قياساتنا، فاذا اعجبتنا نتائجها نوافق عليها واذا لم تعجبنا لا نوافق عليها، المهم ان يبقى الخيار بيد الناس، فاذا صحح الذين وصلوا الى السلطة المسار في بلادهم فيجب ان يُدعموا من الجميع، اما اذا فشلوا فمن خلال الآليات الديموقراطية يمكن تغييرهم، لا نستطيع ان نتحكم في الآلية والنتائج في آن معًا، الآن فتحت آليات التغيير، ولكن الى اين يصل، اعتقد الامر مرهون بمدى احترام الجميع لآليات التغيير المتمثلة بالانتخابات وبصناديق الاقتراع.

اقليات واسلاميون

بعض الاقليات في المنطقة تتخوف من تلك التيارات الاسلامية، هل هذا التخوف في مكانه برأيك؟ يجيب بشور:quot; انا من مدرسة فكرية لا تعتبر ان في المنطقة اقليات، ففي المنطقة اكثريتان، الاولى عربية تضم مسلمين وغيرهم، واكثرية اسلامية تضم عربًا وغير عرب، وبالتالي اي مواطن في هذه المنطقة، هو مواطن بالدرجة الاولى واذا احترمنا معايير العروبة والمواطنة، اعتقد لا يجوز ان يخاف احد، طبعًا هناك محاولة تأجيج لهذه المخاوف، من ضمن مشروع الالتفاف على الطبيعة الايجابية لهذه الانتفاضات، وهذا جزء من مخطط تشويهها وتعطيلها، ويشارك في هذا المخطط ايضًا بعض وسائل الاعلام، وبعض الوجوه المستفيدة من الفتنة، وبالتالي اعتقد ان الحل يكون بالالتزام بمعايير الديموقراطية والمواطنة، بالعروبة الجامعة للجميع، واعتقد انه لا يمكن لنا ان نحاسب التيارات الاسلامية كلها، وكأنها شيء واحد، هناك تفاوت في رؤية هذه التيارات للعلاقة بالاطراف الاخرى، ولكن ما دامت هذه التيارات التزمت باحكام الديموقراطية التي اوصلتها الى السلطة، فانني لا اعتقد ان هناك مخاوف على هذه العلاقة، ثم من يسمون بالاقليات فاعتقد عليهم بالمقابل ان يتصرفوا كجزء طبيعي من النسيج الوطني والقومي لهذه المنطقة، فهم اصحاب تراث نهضوي كبير فيها، واصحاب فكر، واعتقد ان المنطقة في ظروف سابقة، منحت العديد من شخصيات تنتمي الى ما يسمى بالاقليات، ادوارًا قيادية، فلنتذكر مكرم عبيد في مصر، وفارس الخوري في سوريا، وكمال ناصر في فلسطين، واحزابًا اسسها من ينتمون الى من يسمون بالاقليات الدينية، وقد انتسب الى هذه الاحزاب ملايين الشباب العرب المسلم، في ما كان مؤسسوها ينتمون الى اديان اخرى، النسيج العربي موحد، على الجميع سواء من يعتبر نفسه اقلية او من يتحدث باسم الاكثرية ان ينتبه الى ان اي تلاعب في العلاقة بين مكونات هذه المجتمعات سينقلب وبالاً على المجتمع كله وعلى من يتلاعب بهذه العلاقة.