لندن


تخلصت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما من ورطتها في العراق عندما سحبت جميع قواتها دفعة واحدة بنهاية العام الماضي، ولكن ورطتها الاكبر في افغانستان ما زالت تتفاقم بفعل هجمات حركة طالبان المستمرة والمتصاعدة من حيث الكيفية والكمية، ونحن نتحدث هنا عن حجم الخسائر.
بالامس افاق حلف الناتو على كارثة كبرى لحقت بصفوف قواته عندما فتح جندي افغاني النار على كتيبة فرنسية فقتل اربعة من جنودها، واصاب 16 آخرين، بعضهم اصابته خطرة، مما يرفع عدد القتلى في صفوف القوات الفرنسية القليلة العدد الى 82 قتيلا منذ بداية الحرب قبل عشر سنوات.
الحادث الآخر كان اكثر اهمية لان ضحاياه كانوا ستة جنود امريكيين نجحت قوات حركة طالبان في اسقاط طائرتهم العمودية شمال اقليم هيلمند معقل الحركة الرئيسي، حيث تتواجد قبيلة الباشتون التي ينتمي اليها معظم انصار طالبان.
المتحدث الرسمي الامريكي ادعى ان المروحية سقطت نتيجة خلل فني، وهو تبرير مألوف يردده هؤلاء في كل مرة تسقط فيها طائرة امريكية على يد حركة طالبان.
المأزق الامريكي بلا قاع، وحجم الخسائر في صفوف القوات الامريكية يتزايد يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، ولا تعرف ادارة الرئيس اوباما التي اعتبرت حربها في افغانستان محور سياستها الخارجية كيف تخرج من هذا المأزق، واذا استمر معدل الخسائر نفسه فان هذا قد يجعل محاولات الرئيس الديمقراطي للفوز بولاية ثانية مسألة متعذرة للغاية.
الهزيمة في افغانستان باتت حتمية رغم كل محاولات المكابرة التي نراها حاليا، والخيار الوحيد امام ادارة اوباما هو تقليص الخسائر البشرية والمادية والانسحاب باسرع وقت ممكن.
الحرب في افغانستان تكلف الميزانية الامريكية سبعة مليارات دولار شهريا، وهذا الرقم مرشح للارتفاع بسبب النفقات الاضافية غير المنظورة مثل تعويضات اهالي القتلى وعلاجات الجرحى الذين ينقلون الى مستشفيات في بلدهم.
موافقة الادارة الامريكية على السماح لحركة طالبان بافتتاح مكتب لها في العاصمة القطرية الدوحة بقيادة احد ممثليها الكبار هي خطوة نحو التسليم بالهزيمة وبدء فتح حوار مع الحركة ليس من اجل اشراكها في العملية السياسية الحالية في كابول وانما من اجل تسليمها الحكم.
من المفارقة ان حامد كرزاي الرئيس الافغاني الحليف الاول لواشنطن لم يستشر حول هذه المسألة، ولذلك بادر بالاحتجاج عليها باقوى التصريحات، وكرزاي يعلم جيدا ان ايامه في الحكم باتت معدودة ولهذا صرح بانه لن يترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات الافغانية بعد عامين.
ساركوزي رئيس فرنسا الذي يخوض حملة انتخابية رئاسية اعلن بدوره ان وجود قوات بلاده في افغانستان بات محل مراجعة، اي انه قد يبدأ في سحبها مبكرا.
الفئران اول من يهرب من السفينة الغارقة وهذا ما يمكن ان نراه في الاسابيع او الاشهر المقبلة، فطالبان الذين ذهبت القوات الغربية لاطاحة حكمهم قبل عشر سنوات في اطار الحرب على الارهاب عائدون الى الحكم بقوة بعد ان يكملوا تحرير بلادهم، وهو التحرير الذي تم بالمقاومة والتضحيات وليس عبر المفاوضات العبثية المهينة.