Rohan Gunaratna

في عام 2012، سيبقى الإرهاب أبرز تهديد على الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها الأوروبيين، إذ يمكن السيطرة على هذا التهديد حتماً، لكن ستتابع جميع القوى الأساسية (بما في ذلك الصين وروسيا والهند) مواجهة الأعمال الإرهابية على المدى المنظور.
يتخذ تهديد الإرهاب العالمي أشكالاً متنوعة، فبعد عشر سنوات على الاعتداءات التاريخية التي استهدفت الأراضي الأميركية، لم تعد ldquo;القاعدةrdquo; محور اهتمام الأمن العالمي، فقد أدت العمليات الأميركية المستهدفة إلى تراجع زخم ldquo;القاعدةrdquo; التي تُعتبر محرك الإرهاب العالمي. شملت الحملة المضادة قتل مؤسس وزعيم ldquo;القاعدةrdquo; أسامة بن لادن في أبوت أباد، باكستان، في 2 مايو 2011. ثم واجهت الشبكة الإرهابية ضربة أخرى حين قُتل عطية عبدالرحمن (الملقب بعطية الله)، وهو نائب خلف بن لادن أيمن الظواهري، نتيجة عملية نظمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بواسطة طائرات بلا طيار في شمال وزيرستان، باكستان، في 22 أغسطس 2011، ومع ذلك، لا تزال إيديولوجيا ldquo;القاعدةrdquo; والتنظيمات المستنسخة عنها في آسيا والقوقاز وإفريقيا والشرق الأوسط تطرح تهديداً حقيقياً على المجتمعات والحكومات في أنحاء العالم.
أدت الحرب الأميركية العالقة في العراق ونية الأميركيين سحب قواتهم من أفغانستان إلى تعزيز جرأة الإرهابيين والمتطرفين في بلدان العالم المختلفة، فهم يعتبرون أن الولايات المتحدة انهزمت في العراق وتوشك على مواجهة هزيمة أخرى في أفغانستان.
صحيح أن الاحتجاجات الشعبية نجحت في استبدال الحكام الدكتاتوريين، إلا أن الربيع العربي قدم فرصاً جديدة للإسلاميين وأنظمتهم، كذلك، أدت عملية التدخل الغربي في ليبيا إلى نشوء بيئة عدائية في شمال وغرب إفريقيا، وقد برز وجه جديد من التهديدات بسبب انتشار النزعة إلى تصنيع الأسلحة (وتحديداً أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة)، وجهوزية المقاتلين المدرَّبين، والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان، وما لم يتم إرساء الاستقرار، فمن المتوقع أن تتدهور هذه البيئة وأن تصبح مؤاتية لنشوء حركات تمرد جديدة.
تطرح الدول الفاشلة والمساحات المنفلتة والخصومات الجيوسياسية تهديداً على أمن العالم، فلا تزال ldquo;منطقة القبائل المُدارة اتحادياًrdquo; في باكستان المعقل الأول للإرهاب الدولي، كما أن استمرار الصراعات في العراق وأفغانستان والصومال واليمن أدى إلى نشوء بيئة تعزز هجرة الإرهابيين وترسخ جماعات متطرفة جديدة.
لكن يعني تشديد التدابير الأمنية على الحدود أن الجماعات الإرهابية تواجه مصاعب في تنفيذ عملياتها العابرة للحدود، لمواجهة هذه الصعوبات، تعمد الجماعات الإرهابية إلى استعمال شبكة الإنترنت للتواصل مع المهاجرين المنتمين إليها في الخارج.
مع انتشار نزعة التطرف وحصص التدريب على شبكة الإنترنت، يزداد تهديد الإرهاب المحلي الذي ينشأ في البلدان المختلفة، ولا سيما في الغرب. صحيح أن الاعتداءات التي تنفذها جماعات عالية التنظيم متمركزة في دول العالم الثالث تطرح تهديداً مميتاً، إلا أن حدة الاعتداءات التي تنفذها الخلايا المتطرفة الفردية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، فبيما تفشل الحكومات في التصدي للإيديولوجيا الإرهابية، يشهد العالم تزايداً تدريجياً في عدد الحوادث الناجمة عن الإرهاب الفردي المتطرف.
كذلك، يؤثر إيقاع الاعتداءات في العراق وأفغانستان في مشهد التهديدات العالمية، وعلى الرغم من رحيل الجيش الأميركي من العراق، يشكل الإرهاب التحدي الأبرز الذي يعيق إرساء الأمن والاستقرار في العراق والشرق الأوسط. اتخذت الولايات المتحدة قرار التدخل العسكري في مارس 2003 استناداً إلى معلومات استخبارية مغلوطة ثم انسحبت أخيراً في ديسمبر 2011 وتركت وراءها بلداً يفتقر إلى الأمن والاستقرار، فقد نفذت منظمة ldquo;دولة العراق الإسلاميةrdquo; التابعة لتنظيم ldquo;القاعدةrdquo; سلسلة من التفجيرات ضد الحكومة والأهداف الشيعية في بغداد في الشهر الماضي.
ونظراً إلى عجز القوات العراقية عن الحفاظ على الأمن، قد يشهد البلد سقوط مئات الضحايا شهرياً، وتماماً مثل المقاتلين الأفغان القدامى، يسعى المقاتلون العراقيون إلى استهداف مواقع خارج الشرق الأوسط، فلم ينجح الانتحاري تيمور عبدالوهاب العبدلي (وهو عراقي يحمل الجنسية السويدية) إلا بقتل نفسه في تفجير استوكهولم، في 11 ديسمبر 2010، لكن قد يسعى مقاتلون عراقيون آخرون إلى استهداف مواقع في الغرب أيضاً.
بعد الانسحاب الأميركي من العراق، قد تعمد الجماعات المتمردة إلى مهاجمة السلطة في كابول، فبدل ضمان الدعم للشركاء في أفغانستان، أدى الإعلان عن الانسحاب إلى نشوء ظروف تناسب المتمردين في ldquo;طالبانrdquo; والإرهابيين في ldquo;القاعدةrdquo;، ومن المتوقع أن تفشل جهود المجتمع الدولي في مجال التفاوض مع ldquo;طالبانrdquo;.
على صعيد آخر، تراقب باكستان والهند وإيران والصين التطورات المختلفة في أفغانستان وتؤثر في مسارها أحياناً، وتحرص إيران على تجنب المواجهة المباشرة، لذا تتابع تنفيذ أهداف سياستها الخارجية من خلال توفير الدعم للجماعات الإرهابية السنّية والشيعية.
بسبب تدهور الاقتصاد العالمي، عمدت الولايات المتحدة (محور مكافحة التمرد عالمياً) إلى تقليص ميزانية مكافحة التمرد والإرهاب، فبينما تستعد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان في عام 2014، من المتوقع أن يتدهور الوضع في أفغانستان وباكستان معاً. من أجل إرساء الاستقرار في أفغانستان وباكستان والمنطقة عموماً، بما في ذلك آسيا الوسطى، ستحتاج القوى الغربية إلى تعزيز قدراتها في باكستان وإنفاذ القانون وتفعيل الإمكانات العسكرية والاستخبارية في أفغانستان.
يجب أن تحاول الولايات المتحدة تفكيك البنى التحتية التابعة لتنظيم ldquo;القاعدةrdquo; وحركة ldquo;طالبانrdquo; على الحدود الأفغانية الباكستانية، لكن هذه التدابير ليست كافية، بل ستحتاج القوات العراقية والأفغانية إلى دعم دولي طويل الأمد لمواجهة التحديات المستمرة بسبب حركات التمرد والإرهاب والتطرف.
لا بد من توافر المساعدة الدولية لإرساء الاستقرار في المناطق التي شهدت تغيير الأنظمة بفعل الربيع العربي، ففي منطقة إفريقيا الشمالية الهشة، نشأت بيئة خطيرة بسبب تدفق الأسلحة والمقاتلين من ليبيا، وما لم تتم معالجة هذه الظاهرة المنبثقة من ليبيا في الأشهر المقبلة، فقد يتأثر الأمن في منطقة المغرب العربي ككل وفي شمال وغرب إفريقيا.
يبدو أن جماعة ldquo;بوكو حرامrdquo; مصممة على إقامة دولة إسلامية، لذا هاجمت الكنائس يوم عيد الميلاد في عام 2011، وفي نيجيريا، قُتل أكثر من 500 مدني نتيجة الاعتداءات الإرهابية في عام 2011 أيضاً، وستكون إفريقيا عرضة لتوسع الصراعات بسبب افتقارها إلى قيادات نافذة وسوء الحكم وغياب التنمية الاقتصادية.
تحتاج الحكومات إلى إنشاء إمكانات غير عسكرية للرد على عمليات الجماعات الإرهابية التي بدأت تسيطر على الوضع بفضل الأحزاب السياسية والمنظمات الدينية والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام. بعد انضمام قادة مثقفين إلى هذه الكيانات، أصبحت الجماعات الإرهابية قادرة على التأثير في الناس وكسب المؤيدين، ومن خلال الاعتماد على الحملات الترويجية المنظَّمة، بدأت الجماعات الإرهابية بأشكالها المختلفة تجذب فئات عدة من الرأي العام، فتفتقر الإيديولوجيا الإرهابية إلى المصداقية الدينية ولكنها تنجح في كسب قاعدة دعم كافية لتحقيق أهدافها من خلال الاستهزاء بالسلطات القائمة واستمالة الحشود.
على سبيل المثال، بدأت هذه الإيديولوجيا تنتشر من الشرق الأوسط إلى إفريقيا وآسيا مع أن نسبة المسلمين الذين ينضمون إلى حركات الجهاد السلفية في العالم لا تتجاوز الواحد في المئة.
بسبب إهمال المجتمع الدولي وتساهله مع الجماعات المتطرفة الناشطة على شبكة الإنترنت، أصبحت الحملات الدعائية الآن النشاط الأولي لحركات التمرد والجماعات الإرهابية المتطرفة. قامت معظم الجماعات الإرهابية في العالم بترسيخ وجودها على الإنترنت، ويستعمل أكثر من 90% من عناصرها خوادم أميركية (سيرفرات).
يعمد هؤلاء إلى توسيع وجودهم على الشبكة بمعدل متسارع لا تستطيع الحكومات مواكبته، وتحديداً في مجال الكشف عن المعلومات المغلوطة ومراقبة النشاطات المتعلقة بالعمليات المحتملة. يجب احترام الرأي الآخر طبعاً، لكن في الوقت نفسه يجب عدم التساهل مع المواقع الإلكترونية والمدونات التي تهدف إلى ترسيخ نزعة التطرف عند الشباب بحجة حرية التعبير. لقد أصبح الفضاء الإلكتروني أبرز منصة للحملات الدعائية الخاصة بالجماعات الإرهابية كي تحشد مناصرين لها وتجمع الأموال وتنسّق جهودها لتنفيذ العمليات.
في عام 2012، سيبقى الإرهاب أبرز تهديد على الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها الأوروبيين، فيمكن السيطرة على هذا التهديد حتماً، لكن ستتابع جميع القوى الأساسية (بما في ذلك الصين وروسيا والهند) مواجهة الأعمال الإرهابية على المدى المنظور. من أجل إنهاء ظاهرة الإرهاب والتمرد، على المجتمع الدولي أن يعالج مشكلة الخصومات الإقليمية وأن يمنع تسييس الشعوب الضعيفة ويحارب نزعتها إلى التطرف، وربما تراجعت إمكانات ldquo;القاعدةrdquo; بنسبة معينة، لكن يرتفع حتى الآن خطر استمرار الإرهاب العابر للحدود.