محمد عبدالله محمد

تتوارَد أنباء جديدة من داخل العراق. هذه الأنباء تقول: إن لقاءً وشيكًا سيُعقد، بين السفير الإيراني في بغداد حسن دناني فر، وزعيم القائمة العراقية، إياد علاوي. وبحسب المتحدثة الرسمية باسم القائمة العراقية ميسون الدملوجي فإن laquo;الترتيبات تجرى الآن لعقد هذا اللقاء قريبًا، ويؤمَّل أن يدشن صفحة جديدة من العلاقات بين القائمة العراقية وجمهورية إيران الإسلاميةraquo;. هذا الخبر، صاحبه تصريحان لسياسيَّيْن عراقيَّيْن، أحدهما مهم والثاني أهم.
التصريح المهم الذي صاحَبَ ذلك الخبر، هو ما قاله أحد السياسيين الكُرْد البارزين وهو محمود عثمان، عندما قال معقبًا، بأن laquo;إياد علاوي قرَّر التوجُّه إلى إيران، بعد أن أصابه اليأس من (الولايات المتحدة الأميركية)، فعلاوي ليس هو السياسي الوحيد الذي راهَنَ على الأميركيين وخسر الرِّهان، بل إنَّ كلَّ من راهَن على أميركا (في العراق) يُعدُّ خاسرًا، في الوقت الذي تمتلك فيه إيران القدرة على خداع الجميع لأنها في النهاية تمنح تأييدها لمن يكون الأقرب إليها في تنفيذ سياستها، وهي خطوة ذكية منها في التلويح بعلاوي ضد المالكيraquo;.
ثم يبدو أن الأهم في ذلك الخبر أيضًا، ما قاله المفكر العراقي البارز، ومنظِّر القائمة العراقية السابق حسن العلوي، من أن علاوي laquo;استجاب لنصيحة تركية بالعمل على تبريد الأجواء مع طهران؛ لأن تركيا مقتنعة تمامًا بعلاوي كسياسي شيعي ليبرالي ولكن عليه أن يتقارب مع إيران، فإيران من جانبها تؤمن بسياسة تعدد المحاور حتى داخل الكتلة الواحدة أو المكون الواحد مثلما تفعل مع الكتلة الشيعية، حيث إن لديها عدة محاور داخل هذه الكتل وهي متخاصمة مع بعضها لكنها كلها مؤيدة لإيران وبالتالي فإن إيران لا تجد مشكلة في أن تفتح محورًا جديدًا مع علاوي حتى وإن كان خَصْمًا للمالكي، فكلاهما يصبح قريبًا منهاraquo;.
هنا، يظهر مدى اليأس السياسي الذي وقع فيه الليبراليون العراقيون الممزوجون طائفيّاً وإثنيّاً، وبالتحديد القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي. فالأميركيون إن رفعوا الدعم عنهم في السياسة، فذلك نابعٌ من عجزٍ عسكري على الأرض أظهره الانسحاب الأخير لهم، لكن المشكلة الأكبر باعتقادي، هي العجز العربي في العراق، والذي وصَلَ مداه، بتقهقر القائمة العراقية التي حَسَبَت نفسها laquo;عربيّاًraquo; منذ فوزها في الانتخابات التشريعية، إلى الحد الذي جعلها تلجأ إلى خصمها في نهاية المطاف، والذي هو أيضًا (كما يراه العرب) خصم لمشروع إزاحة العراق عن التأثير الإيراني، وإلحاقه بالقاطرة العراقية من جهة الغرب، وصولاً إلى مركز العرب في الشمال الإفريقي.
الأميركيون يريدون مصالح اقتصادية وسياسية بعيدًا حتى عن التواجد المادي المباشر، أما العرب، وبحكم الجغرافيا، فإنهم مجاوِرون قسرًا لذلك البلد، وبالتالي تمنحهم هذه الجيرة حقاً لا يتوافر للآخرين، ممن قدِموا من وراء المحيطات، فضلاً عن تأثرهم الطبيعي بأي ظروف قد تقع في العراق.اليوم تركيا، تتحرك في الملف السوري، لأنها ستتأثر (بل وقد تأثرت) بسبب الأزمة السياسية في سورية. تأثرت على المستوى الطائفي (العلويون في تركيا وسورية) وتأثرت عرقيّاً (في تركيا 15 مليون كردي)، وبالتالي انبرت أنقرة للدخول في الملف السوري، وإن كان حول منسوبه جَدَل. فاللعب خارج الحدود، والاشتراك في توزين القوى الموجودة فيه يعتبر حصافة.
بالتأكيد، ليس خطأ أن يُنظِّم السياسيون العراقيون شئونهم مع جيرانهم، لكن الخطأ هو أن يتجاهل جيران العراق العرب تلك الترتيبات، لتأتي النهايات لغير صالحهم (والإقليم) على المستوى الاستراتيجي. العراق ليس جمهورية موز في بعده الجغرافي والأمني والاقتصادي والثقافي. هو أحد نقاط الغرب الآسيوي، تحدّه السعودية والكويت من الجنوب، وتركيا من الشمال، وسورية والأردن من الغرب، وإيران من الشرق. ومساحته 438.317 كم2. وتمرّ به أهم منابع المياه في العالَم، والتي ستتشكل المصالح والحروب على وقعها في المستقبل غير البعيد، وبالتالي، يصبح أمر التجاهل العربي للعراق، أمرًا غير مفهوم ولا هو مُبرَّر مهما قيل.
قبل أيام، أعلِنَ أن دولة الامارات العربية المتحدة قرّرت إلغاء ديونها المستحقة على العراق والبالغة سبعة مليارات دولار بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وطبقًا لما أصدرته اللجنة الوزارية لكلا البلدين في دورتها الثامنة، بغية laquo;تطوير وتنمية العلاقات الثنائية، والارتقاء بها إلى علاقات مستدامة واستراتيجيةraquo;.هذه الخطوة جيدة، ومشكورة من قِبل القيادة الإماراتية، وتسير نحو تكريس حضور إماراتي على الأرض العراقية، لكنها تبقى خطوة منفردة وسط جوار غير آبه، ولا متحسِّب لعملية الإهمال تلك، للساحة العراقية، على رغم أننا نسمع دائمًا عن خطورة الوضع العراقي الداخلي والخارجي معًا على المنطقة العربية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الطائفي.
أمر آخر، يتعلق بموضوع النفوذ التركي في العراق، وهو موضوع يهمّ العرب مثلما يهمّهم أي نفوذ آخر. فماذا يعني الترتيب التركي - الإيراني بشأن العراق ودواخله وسط كل تلك التقاطعات ما بين العرب وإيران، والمشتركات ما بين العرب والأتراك، حتى وصل ذلك الترتيب إلى مستوى الفرقاء السياسيين، وتشجيعهم على فعل هذا وترك ذاك. لماذا لا يكون للعرب دور في تلك الترتيبات أيضًا. هاتان القوتان (إيران وتركيا) هما من أهم القوى النافذة في المنطقة، فإذا لم يكن للعرب خط اتصال بهما، أو حتى مزاحمتهما إيجابيّاً في ساحات مشتركة كالعراق، فإن ذلك أيضًا من شأنه أن يؤثر على مستقبل المنطقة، وعلى مصالحها