عبدالعزيز السماري
أصبح للطائفية السياسية حضورٌ ملفتٌ في الواقع العربي، بل وصل الأمر إلى أنَّ مبدأ القراءة الثقافية للواقع السياسي أمرٌ مرفوضٌ إن تطرّق أياً كان للطائفة السياسية التي ينتمي لها المتابع، لذلك وجدت ممانعة عند بعض أنصار الفكر الإخواني بعد محاولة قراءة المشهد السياسي المصري وخطوة الاستئثار بالسلطة الجريئة، والتي كان لها علاقة مباشرة بالشك والريبة ومخاوف ضياع الكرسي من تحت أقدام صاحبه، وقد كانت ظاهرة الشك والارتياب خلف ظهور حالات جنون العظمة عند بعض القادة، كما كانت وما زالت أهم مصدر يُهدد الديموقراطية، والعامل الرئيس في تحوُّل الوطن إلى دولة بوليسية ونظام أمني يحرس مخاوف الرئيس، ثم يختزل الوطن في الزعيم، وهكذا.
مع ذلك لست ممن يعتقد أن الإخوان المسلمين يُشكِّلون الظاهرة السياسية الأوحد التي تهدد ظاهرة الديموقراطية في العالم العربي الجديد، كما يحاول البعض الترويج له، لكنهم بالتأكيد أحد الظواهر السياسية الطائفية في عالمنا العربي، كما هو حال التيار السلفي واليسار القومي وغيرهم من التيارات الطائفية، والتي كانت وما زالت حالات غير صحية وعوائق حضارية أمام تقدم الواقع العربي إلى مرحلة المجتمع المدني، ويواجه الإخوان المسلمون في هذه الأيام هجوماً كاسحاً من بعض أنصار الطوائف السياسية المضادة، وذلك خوفاً من قواعدهم الجماهيرية ورغبتهم في احتلال كراسي السلطة في العالم العربي، لكنه رأيٌ - بالرغم من صحة بعض أطروحاته - في أغلبه منحاز، ويفتقد للموضوعية، وتدفعه بعضٌ من المصالح الشخصية.
وفي ظل ازدياد الخوف من انقلاب الإخوان السياسي على الديموقراطية، يعتبر أيضاً التيار السلفي السياسي بمختلف توجهاته حسب وجهة نظري الظاهرة الأكثر تأثيراً في الحياة السياسية والإعلام، وأحد أزمات الواقع العربي، وعاملاً مهماً في حضور التطرف على الأرض العربية، سببه اصطدام أصوله مع الحياة العصرية، وخروج انشقاقات ثقافية داخل المنهج، من سماتها التباعد بين الممارسة المنهجية والموقف السياسي، وتلك أزمة حضارية بامتياز وتستحق الدراسة، ويُصاحب هذا التناقض في الممارسة والخطاب حوارٌ صاخبٌ بين تياراته المتعددة، كلماته من رصاص ووعظه متفجرات تهتز لها الأوطان، والسبب اختلاف قراءة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بين طلاب المنهج وورثته، وذلك عندما يصر طلاب الشيخ في وجوب العمل من خلال جهاد الدفع والطلب ومحاربة الكفار في بلادهم بدون إذن ولي الأمر.. وبين ورثة يُطالبون بإيقاف العمل بمبدأ الجهاد الذي قامت عليه دعوة الشيخ قبل أكثر من قرنين، وإلزامه بطاعة ولي الأمر والقوانين الدولية.
لا يخفى على متابع أن بعض طلبة دعوة الشيخ يرفضون الالتزام بمصالح الوطن السياسية، ويبررون فوضويتهم الحركية بوجوب جهاد دفع الصائل، وشرعية محاربة الكفار في بلادهم بدون إذن ولي والأمر، ويرجعون ذلك إلى نصوص من الإرث السلفي في عصر الشيخ - رحمه الله -، تدعوهم إلى الجهاد وقتال المشركين، وأحياناً أتفاجأ بوجود مشايخ في المجتمع يُناصرون منهج الخروج والجهاد عبر الحدود، وفي نفس الوقت يُمارسون حياتهم بأسلوب عصري أقرب للحياة الليبرالية، لذلك أشعر بالشفقة لكثير من الشباب الذين يتدافعون عبر الحدود لغرض جهاد الكفر والشرك خارج الحدود، بينما ما يفعلونه في العصر الحاضر أقرب لمناصرة الثوار أو حروب الطوائف السياسية في الخارج، وأشعر بالأسى أكثر للضياع الذي يعيشه طلبة العلم الشرعي، فالإصرار على تعليم المنهج الدعوي السياسي، حسب اجتهاد رواده في عصرهم الماضوي، على أنه المنهج الصحيح والملائم للحياة العصرية الحالية، يجعل منهم إما في حالة الصدمة الحضارية المزمنة، أو قبول الازدواجية والتناقض لتبربر التباعد الكبير بين الموروث (السلفي) والحياة المعاصرة.
وأخيراً ما أود الوصول إليه في هذه العجالة أن نقد ظاهرة الإخوان في محاولة الاستئثار بالسلطة أمرٌ مشروعٌ، كذلك هو شأن من يقوم بمحاولات دائبة لاستثمار الدعوة السلفية في مكاسب سياسية معاصرة، والتي تختلف من اتجاه إلى آخر، ويظهر ذلك في الذين يحاولون استئناسها قسراً ضمن المناهج السياسية العصرية، وبين الذين يريدون القفز على كرسي السلطة من خلال دعوات الجهاد، وحسب وجهة نظري تُعد هذه الظاهرة الأخطر على الحياة السياسية في بعض الدول العربية، والسبب عدم وجود قراءة عصرية لمنهج الشيخ - رحمه الله -، تفتح آفاقاً جديدة من أجل فك شفرة المستقبل، والتي لن تعمل إلا من خلال منهج الديموقراطية والحياة المدنية، ومن يختار غير ذلك سيفتح الباب على مصراعيه للعنف والحروب الأهلية.
التعليقات