ربى كبّارة

دخلت سوريا المربع الأخير قبل انهيار النظام الحديدي مشهدياً, وهو الساقط فعلياً بسبب عجزه عن تنفيذ حلّ أمني - عسكري تبنّاه وتمسّك به حصراً قبل أكثر من عشرين شهراً. في المقابل يواصل مقاتلو المعارضة تقدمهم من دون أن تتمكن كل أسلحة النظام، بما فيها المقاتلات الحربية، من منعهم من دقّ أبواب دمشق أو من السيطرة على معظم أرياف العاصمة السورية وحلب وحماة وإدلب ودير الزور وسواها.
وأعقب هذه المستجدات، تصاعد العمليات العسكرية بقوة من قبل الطرفين، بدءاً من مطلع الشهر الجاري، كأنما هو تصعيد المرحلة الأخيرة التي يحاول فيها كل فريق تحقيق تقدم ميداني يسمح له بالتفاوض من موقع أقوى، خصوصاً مع بدء ارتسام ملامح تسوية دولية خصوصاً بين الطرفين الأبرز وهما الولايات المتحدة وروسيا وإن لم تتضح فعلياً مواعيد تجسدها. أو كأن ما يجري تحوّل إلى حرب استنزاف حقيقية ينتصر فيها من يملك قدرة أكبر على التحمل، وبات من الصعب تحديد موعد انهيار النظام بدقّة إذ قد يستغرق أسابيع أو أشهراً حددتها المبادرة التركية بـquot;الأشهر الثلأثة الأول من العام المقبلquot;، وهي المبادرة التي رأتها موسكو quot;مبتكرةquot; رغم أنها تنص على تنحي الأسد خلال هذه الفترة في حين تتولى المعارضة الموحدة تشكيل حكومة جديدة لإدارة المرحلة الانتقالية.
وتكاثرت المؤشرات إلى قرب الانهيار خصوصاً مع عدم مبالاة الأسد بفقدان أبرز مرتكزات quot;ممانعتهquot; التي عاش عليها عقوداً طويلة. فقد قصف جواً وبراً مخيم quot;اليرموكquot; للاجئين الفلسطينيين الواقع على تخوم دمشق بعد أن نجح الثوار في السيطرة عليه وإخراجه من قبضة الفصيل الرئيسي الموالي للأسد أي الجبهة الشعبية -القيادة العامة وبقايا منظمة الصاعقة. ويذكّر مصدر فلسطيني بالموقف الرسمي الرافض للتورط في الأزمة السورية مؤكداً أن هذين التنظيمين أقحما المخيم عندما شكّلا quot;لجاناً شعبيةquot; قاتلت مجموعات quot;الجيش الحرquot; في المناطق المجاورة.
والى جانب هذا التطور الدراماتيكي هناك موقف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الأخير الذي خرج عبره عن صمت مريب ليطالب، بعد إقرار بفشل الخيار العسكري، بـquot;تسوية تاريخيةquot; تتم عبر حل سياسي، بما يعني أن هناك قناعةً أسدية بأن الحل العسكري غير وارد، فمال الى حل سياسي يحفظ له رأسه خصوصاً عبر الموقف الروسي الذي طالما أمّن له الحماية والاستمرار.
لكن عجز الأسد عن الحسم العسكري الذي طالما أمدّه الحليف الروسي بالوقت اللازم لتحقيقه، ولّد على ما يبدو قلقاً في موسكو كشفه الإعلان رسمياً للمرة الأولى عن إرسال سفن حربية هدفها إجلاء الرعايا الذين يتجاوز عددهم المئة ألف، والذي تزامن مع ما تحققه المعارضة من تقدم وإن ما زالت تتبع سياسة الكر والفر على غرار النظام، إضافة إلى خطف مواطنين روسيين على يد المسلحين.
وتوحي المعلومات المتقاطعة بمرونة روسية مستجدة قد تؤدي الى حل وفق quot;النموذج اليمنيquot; يتخلى فيه الرئيس عن صلاحياته بعد أن انتفت الحاجة إلى حل وفق quot;النموذج الليبيquot; إثر انتصارات الثوار بحيث يكفيهم توفر أسلحة نوعية تشل قدرة الطائرات التي باتت قذائفها أفعل سلاح بعد تقطع أوصال الطرق البرية.
ويروي رجل اعمال لبناني من كوادر الحزب الشيوعي العليا سابقاً، مقيم في موسكو ومطلع على أحوالها، أن المتشدد الوحيد في الإدارة هو الرئيس فلاديمير بوتين فيما الليونة تميز سائر دوائر القرار وخصوصاً الخارجية الروسية. وهو يرى في عدم استبعاد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف نجاح المعارضة، وإن نُفِيَ رسمياً، رسالة بهذا الصدد موجهة للولايات المتحدة.
ويلفت إلى أن هذه الرسالة أتت رداً على موقف واشنطن إدراج quot;جبهة النصرةquot; على لوائح الإرهاب والتي تخشى موسكو تفشّيها في سوريا حتى لا تطال لاحقاً الجمهوريات الإسلامية التي كانت سابقاً منضوية في إطار الاتحاد السوفياتي.
والمشاورات بين موسكو وواشنطن مستمرة ومن المتوقع أن تنتقل إلى مستوى أكبر فعالية بعد أن تنهي الإدارة الأميركية الجديدة ترتيب منزلها قريباً.
تندرج في هذا الإطار المعلومات المتداولة عما ما بدأ بحياكته وزيرا خارجية البلدين عند اجتماعهما مؤخراً مع الموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي في دبلن وما تبعه من اجتماعات لمساعديهما، والذي سيفضي وفق المعلومات المتسربة إلى ما يسمى quot;جنيف 2quot;، مرتكزاً على quot;إعلان جنيفquot; الذي صدر في 30 حزيران الماضي وفيه التشديد على الحل السياسي عبر قيام مرحلة انتقالية. لكن حينها تمسكت واشنطن، بالتوافق مع حلفائها من الغربيين والعرب على ضرورة تنحي الأسد كمقدمة، فيما تشبّثت موسكو بضرورة انخراط الرئيس السوري فيها. أما التسوية التي يحكى عنها وتتضمن خمس نقاط وسيسعى الابراهيمي الى تسويقها فتقضي بقيام حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة بما يعني تخلي الأسد عن صلاحياته وانتخابات خلال النصف الأول من عام 2013. حتى إن إيران المتمسكة علناً بقوة ببقاء الأسد قدمت مؤخراً مبادرة من ست نقاط خلت من أي حديث عن مصير الأسد.