حازم صاغيّة

أن تصالح laquo;حماسُraquo; laquo;فتحَraquo; وتباشر الانسحاب من معسكر الممانعين، فهذا ما يتعدّى الحدث السياسيّ البحت على رغم أهميّته كحدث سياسيّ.

فنحن، هنا، حيال امتحان آخر للإيديولوجيا الصافية تفشل فيه تلك الإيديولوجيا ويتبيّن، من ثمّ، أنْ ليس بالمعتقدات وحدها يحيا الإنسان.

بلغة أخرى، وهو ما ينطبق على laquo;حماسraquo; وعلى سواها ممّن يتعاطون السياسة المباشرة، تشكّل الإيديولوجيا مجرّد واحد من العناصر التي تقرّر خطّاً ووجهة معيّنين، فيما تتمدّد العناصر الأخرى من طريقة تأويل مصلحة الجماعة المعنيّة إلى الوطنيّة إلى الطائفيّة والمذهبيّة في حال احتواء المجتمع المقصود على ظاهرات كهذه. وغنيّ عن القول إنّ هذه الأخيرة أقوى في مجتمعاتنا والمجتمعات التي تشبهها ممّا في البلدان الأحدث والأشدّ تقدّماً.

وما تبسيط عمليّات معقّدة كهذه عبر أحكام من نوع laquo;أنّ قطر اشترت حماسraquo;، أو laquo;أنّ حماس انحرفت عن الخطّ الصائبraquo; غير دلالة على عقل طفليّ، شعبويّ وديماغوجيّ، يعيش على هامش السياسة ومتنها العريض، ويبقى كذلك إلى قيام الساعة.

لقد قدّم العالم عيّنة شهيرة على تعدّديّة العناصر المؤثّرة هي النزاعان الصينيّ ndash; السوفياتيّ والسوفياتيّ ndash; اليوغوسلافيّ اللذان لم تنجح وحدة الإيديولوجيا الماركسيّة ndash;اللينينيّة في رأب صدعهما. وبدوره، قدّم العالم العربيّ عيّنات أخرى تبدأ بالخلاف العميق بين البعثين السوريّ والعراقيّ ولا تنتهي بالخلاف الأعمق بين الأصوليّتين الإسلاميّتين السنيّة والشيعيّة. وهذا من دون أن ننسى حالات أقلّ تظهيراً، كانفراد laquo;الإخوان المسلمينraquo; الكويتيّين بمناهضة الغزو العراقيّ لبلدهم ضدّاً على مواقف سائر laquo;الإخوان المسلمينraquo; المؤيّدين للغزو، أو التباين الفلسطينيّ ndash; الشرق أردنيّ في قلب حركة laquo;الإخوانraquo; الأردنيّين، حيث يتماهى فلسطينيّوها مع laquo;حماسraquo; ويحاذر شرق أردنيّيها الذهاب بعيداً في مناوأة المَلكيّة، أو اصطباغ laquo;المقاومةraquo;، في حقبة ما بعد ضمور المقاومة الفلسطينيّة laquo;السنّـيّةraquo;، بصعود الطائفة الشيعيّة اللبنانيّة المعزّز بثورة الخميني الإيرانيّة. وهذا حتّى لا نذهب أبعد فنستنطق انشقاق الإسلاميّين الأفغان ممّن سبقوا laquo;طالبانraquo; على خطوط إثنيّة، وتباين مواقف الأكراد الأتراك والعراقيّين والسوريّين تبعاً لعوامل وطنيّة.

والواقع هذا، بغناه وتناقضه، لا صلة له بأحكام القيمة، تبخيساً واتّهاماً بالخيانة وraquo;الاستشراقraquo; أو تثميناً وتمجيداً. بيد أنّه، وفي الحالة التي نحن في صددها، أي تحوّل laquo;حماسraquo;، واقعٌ أنتجته الانتفاضة السوريّة معطوفةً على جوّ من الاستقطاب المذهبيّ عارمٍ ومستولٍ على منطقة المشرق العربيّ.

وأمّا وأنّ الحال على ما هي، بات إلحاح التفكير في السياسة بواقعيّة الواقع شرطاً من شروط السياسة التي تحقّق أهدافاً على الأرض، بدل أن تسجّل مواقف تتبخّر في السماء.

وهذا ما يبدو أنّه اجتذب laquo;حماسraquo; أو بعضها الذي يعرف أنّ تعديل التوازن مع إسرائيل، ولو قليلاً جدّاً، يستلزم كلّ الطاقة الفلسطينيّة، ومعها طاقات كلّ الذين قد يتعاطفون مع الحقّ الفلسطينيّ.

وفي المعنى هذا يجوز القول إنّ تصدّع النظام السوريّ يعمل، على مستوى المشرق، رافعةً للواقع الفعليّ على حساب الإيديولوجيا،