laquo;الإخوانraquo; واتفاقية كامب ديفيد

محمد مصطفى علوش

لا يعدم المراقب أن يلحظ تصيّد الإعلام لتصريحات الإسلاميين بعد تصدرهم نتائج الانتخابات في زمن الربيع العربي، ويصل الأمر ببعضهم إلى استفزاز المتحدثين باسم الإسلاميين للحصول منهم على فتاوى قد لا يكون لها علاقة لا من قريب ولا بعيد بالإصلاح السياسي أو الاجتماعي بقدر الرغبة بإثارة الجدل حولهم. يرافق ذلك ترقب شديد من قبل دوائر صنع القرار في الغرب لاستشراف مستقبل العلاقة مع الدول العربية في زمن الإسلام السياسي. ويبدو أننا نعيش موسم الغزل المتبادل بين الغرب والإخوان، إذا ما أخذنا بالاعتبار التصريحات الغربية والتي كان آخرها تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون التي قالت ان الإخوان يظهرون حنكة في العمل السياسي غير متوقعة، يقابلها مرونة صادمة للجميع يثيرها الإخوان إذا ما أبدوا رأياً في مسألة داخلية أو خارجية. من هذه المسائل الصادمة، البيان الذي صدّره حزب الحرية والعدالة في مصر قبل أيام، يهدد فيه بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، في حال أوقفت الولايات المتحدة أو قلصت من حجم المساعدات السنوية المقدمة لمصر. البيان يخرج للنور في ظروف من التوتر تخيم على العلاقة بين المجلس العسكري الحاكم في مصر والإدارة الأميركية على خلفية تمويل الجمعيات الأهلية إذ تتهم شخصيات محسوبة على المجلس العسكري واشنطن بدعم جهات مشبوهة تهدف لتفتيت مصر إلى دويلات تحت ستار جمعيات حقوق الإنسان. في البيان، يحذر رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي من تقليص المعونة الاميركية السنوية لمصر البالغة قيمتها مليار وثلاثمئة مليون دولار باعتبارها جزءاً من اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر واسرائيل، وان ذلك قد يدفع لإعادة النظر في الاتفاقية، لافتاً الى حرص حزبه على استمرار مسيرة السلام بما يحقق مصلحة الشعب المصري. طبعاً هذا كلام سياسي بامتياز، ولا يلام صاحبه عليه لو كان يتحدث باسم حزبٍ لا يعترف بالإسلام مرجعية له، والصدمة الأكبر أن الدكتور مرسي نفسه، وقبل وصول حزبه للحكم، وصف اتفاقية كامب ديفيد بالمسرحية الهزلية والجريمة المكتملة الأركان إذ لم تحقق السلام العادل والشامل الذي نادت به حتى بعد 30 عامًا من توقيعها، وهي سنحت لإسرائيل بالتقاط أنفاسها فغزت لبنان وتحرشت بسوريا وخوفت الأردن. والأخطر من ذلك، والكلام طبعاً لمرسي، أن الاتفاقية أخرجت مصر من دورها الإقليمي والعربي وجعلتها خارج حسابات اللعبة في العراق ولبنان والسودان وسوريا وفلسطين، وأما الادِّعاءات التي تقال حول إرجاع سيناء وطابا ورأس محمد إلى مصر، فيرى مرسي أن laquo;هذا حق طبيعي لمصر، وحقوق مصرية أصيلة، سواءٌ كان باتفاقية أو لاraquo;. طبعاً القائمة تطول في سرد سلبيات الاتفاقية على الصعد كافة، وقد أُلفت في ذلك كتب، ما يعنينا هي البراغماتية التي تبديها حركة الإخوان بخصوص الاتفاقية، فالبيان يُظهر بشكل واضح الإخوان وكأنهم يسيطرون بشكل كبير على القرار السياسي في مصر، وكان الأجدى بالدكتور محمد مرسي وهو لا يحمل صفة رسمية في الدولة أن يقول ان الإخوان سيدعون من خلال نفوذهم في البرلمان والحكومة القادمة إلى إعادة النظر في الاتفاقية على اعتبار انهم جزء من مؤسسة منتخبة بديموقراطية لا غبار عليها وتعكس تطلعات الشعب المصري. أمّا أن يرد البيان وكأن الإخوان هم الحزب الحاكم الذي يحق له التصرف نيابة عن الشعب المصري فهذا يثير القلق من أن لا شيء قد تغير بعد الثورة. والقلق ليس منبعه خطأ غير مقصود في الصياغة، وإنما الثقافة التي ينطلق منها، إذ أن العقلية التي صاغت البيان ذكرتنا بالبيانات التي تصدرها الأحزاب الحاكمة في العالم العربي وكأنها هي الدولة التي تحلّ وتربط دون أي تمييز بين الحزب وبين أعضائه في الحكومة. وما سمعناه من الإخوان على مدار عقود وهم خارج السلطة أن المساومة على الثوابت لا تجوز ولا تعتبر من المرونة أو الحنكة السياسية في التعاطي، فهل يجوز المساومة على اتفاقية ترونها سبباً أساسياً في كل ما لحق بمصر منذ توقيعها؟ نرجو ألا يكون الخوف في محلهّ!.