علي يوسف المتروك

على أثر مقال نشره السيد أحمد الصراف بتاريخ الاول من الشهر الجاري في جريدة القبس الغراء، تحت عنوان المتاجرة بالثأر تعليقا على مقال السيد رشيد الخيون المنشور في جريدة الاتحاد، يعلق فيه على رأي أحد رجال الدين الشيعة بمسؤولية الأمة عن مقتل الحسين، ويرفع فيه ثأراً مفتوحا على مر الأجيال المتعاقبة، وكان بامكاني ان أعرض صفحاً عن التعليق على هذا المقال، لولا أن اتصل بي أحد الأصدقاء الأعزاء يسألني عن حقيقة هذا الأمر، وعن صحة هذا الافتراض، بعد ان دار كثير من النقاش حوله في ديوانه الأسبوعي بين الحضور.
لسنا بحاجة الى ان نصب الزيت على النار في مثل هذه الأيام العصيبة حيث التوتر الطائفي، والمذهبي، يأخذ بعدا غير معهود وكنت أود ألا تثار مثل هذه المواضيع في الوقت الحاضر، ولكن بما ان المقال قد نشر والتساؤلات أثيرت فلابد من تعليق.
يروي الحافظ الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين 88/87/1 والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص 119 واللفظ للأول عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدتك فاطمة بالحسن والحسين فلما ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال: يا أسماء هات ابني فدفعته اليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى، قالت أسماء: فقلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال: على ابني هذا، قلت: انه ولد الساعة، قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فانها قريبة عهد بولادته.
ومدلول هذا الحديث لا يحتاج الى تفسير، حيث حصر المصطفى (ص) مسؤولية قتل الحسين (ع) بتلك الفئة الباغية التي خططت وألجمت وأسرجت لقتال ولده الحسين (ع)، دون عامة المسلمين.
أما الحسين نفسه فيقول في خطبة له أمام جموع أهل الكوفة الذين زحفوا لقتاله: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم الباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم.
فهلا لكم الويلات؟ تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم اليها كطيرة الدبا وتداعيتم اليها كتداعي الفراش، فسحقا لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان ومطفئ السنن أهؤلاء تعضدون؟ وعنا تتخاذلون؟ أجل والله غدر فيكم قديم، وشجت اليه أصولكم، وتآزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكله للغاصب، الى آخر تلك الخطبة العصماء المفعمة بالفصاحة والبلاغة وكيف لا وهو ذلك الغصن من تلك الشجرة النبوية المباركة، على الرغم من عمق الجراح وحراجة الموقف وفقدان الناصر وكثرة الواتر في ذلك اليوم المشهود.
لم يكونوا أهل البيت طلبة ثأر أو سببا في تفرق كلمة الأمة، وانما كانوا هداة مهديين، سلكوا طريق جدهم المصطفى (ص) لاستكمال رسالته الخالدة، فهذا الحسين عليه السلام يقول في أول تصريح له في بدء نهضته المباركة: ما خرجت أشراً ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت طلبا للإصلاح في أمة جدي محمد، فمن قبلني بالحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي فساصبر حتى يحكم والله خير الحاكمين، فهو في هذا القول لم يتهم أحدا من المسلمين ممن يرد عليه بالخروج عن الدين والمساءله وانما قال: سأصبر حتى يحكم الله.
وكان الامام زين العابدين عليه السلام في دعاء مأثور يسمى دعاء الثغور يدعو لملوك بني أميه، فلما سئل عن ذلك قال: لأنهم يحمون ثغور المسلمين، وكان الامام جعفر الصادق عندما يسأل عن مسالة فقهية يجيب على رأي أهل الحجاز، وأهل العراق، ثم بمذهب أهل البيت، ويترك للسائل ان يختار الحكم الذي يطمئن اليه.
لقد تكفل الله سبحانه وتعالى بالانتقام من قتلة الحسين (ع)، فتتبعهم المختار بن عبيدة الثقفي عندما ثار بالكوفة، فاستأصل شأفتهم، ومن أفلت من المختار لم يفلت من عقاب الله سبحانه وتعالى، فقد أصيبوا بالجذام، والجنون، والبرص كما روت كتب التراث حول هذا الموضوع.
ومن هنا فان تعميم ثأر الحسين(ع) على عموم المسلمين حكم لا يستند على واقع، أو مسوغ شرعي، كما اتضح آنفا من حديث المصطفى (ص) وخطبة حفيده الحسين (ع) وسلوك أهل البيت، وموقفهم الايجابي والبناء تجاه الأمة.