هدى الحسيني


مساء الأحد الماضي ألقى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خطابا بثه التلفزيون الرسمي، جاء فيه أن تهديدات القوى العالمية مجرد حرب نفسية، laquo;وبما أن الاقتصاد قويraquo; فإن إرادة الشعب قوية وسوف تتغلب الحكومة في النهاية على جميع المشكلات.

هل ما قاله أحمدي نجاد المتعلق بقوة الاقتصاد صحيح؟ وهل التهديدات التي وصفها بالحرب النفسية لم تؤثر بعد على نفسية حتى كبار شخصيات الحكم في إيران، إلى درجة أنه بسبب تهريبهم لثرواتهم تكاد المصارف الإيرانية تنفد من الدولار والذهب.

في 29 فبراير (شباط) قال حاكم المصرف المركزي الإيراني محمود بهماني إن إيران مستعدة أن تقبل الدفع بالذهب مقابل النفط. وكان بهذا التعليق يعكس قلق الحكومة الإيرانية من أن احتياطي البلاد من الذهب قد ينفد مع اقتراب الاحتفال بعيد رأس السنة الإيرانية (النوروز ndash; 21 مارس / آذار)، إذ إن من عادات الإيرانيين في هذا العيد شراء قطع ذهب لتقديمها هدايا للأطفال والأصدقاء. وهذه العادة تولد زيادة في الطلب على العملات الذهبية، التي قد يصعب على البنوك هذه السنة تلبيتها.

وعلى خلفية ارتفاع التضخم في إيران تدافع المواطنون إلى سحب أموالهم من المصارف الإيرانية لقلقهم من أنها قد تفقد قيمتها وأصولها، وفي الأسابيع الماضية بدأ عدد كبير من كبار المسؤولين في تهريب مئات الملايين من الدولارات إلى خارج البلاد. وحاليا بدأ فعلا تهريب الأموال حتى من البنوك الإيرانية الكبرى: laquo;ملليraquo; وlaquo;ملاتraquo;، وlaquo;سيباraquo; وlaquo;صادراتraquo;، وكذلك من البنك المركزي.

وقد حذر حاكم المصرف المركزي بهماني من أنه إذا لم يخف شراء الدولار والذهب فإن هذين الموردين سينفدان قبل عطلة عيد النوروز.

أغلب الأصول التي يتم تهريبها من إيران تصل إلى دول الخليج، وأيضا إلى الدول الإسلامية في أقصى جنوب شرقي آسيا، بما في ذلك ماليزيا وإندونيسيا وآسيا الوسطى، مثل باكستان وتركمانستان. وقد تم اختيار هذه الدول laquo;لأنها دول مريحةraquo; للنشاط الاقتصادي الإيراني، ولأن لحاكم البنك المركزي وكبار الشخصيات الاقتصادية علاقات وثيقة مع مصارف تلك الدول.

تمثل هذه الدول ومنذ سنوات كثيرة laquo;شبكة أمان ماليةraquo; لإيران، كحلّ لتجاوز العقوبات الاقتصادية والصعوبات التي تواجهها في مجال الأعمال المصرفية الدولية، وبالتالي فإنها وجهة ملائمة لتحويل الأموال إليها بسهولة.

وحسب مصدر إيراني كبير في النظام المصرفي هناك، فإن تهريب الأموال بهذا الشكل الكبير من قبل كبار المسؤولين الإيرانيين، يرجع إلى قلق هذه الشخصيات العميق من أن بعض المصارف الإيرانية على وشك الانهيار المالي. وحسب المصدر فإن الأموال التي تم تهريبها من إيران تقدم تفسيرا، على الأقل جزئيا، لوضع القيود على شراء العملات الأجنبية، التي فرضها النظام على الشعب الإيراني، لأن جزءا كبيرا من احتياطي العملات الأجنبية (بالذات احتياطي الدولار) يجري حفظه لاحتياجات الكبار في القيادة الإيرانية، لمهمات خارجية.

ورغم الثقة التي يوحيها كبار المسؤولين الإيرانيين بصلابة النظام المالي الإيراني، فإن العقوبات الاقتصادية بدأت تحفر عميقا في تلك الثقة، ذلك أن التضخم يبخر ثروات الكبار، ومدخرات الصغار. ثم إن أسعار العقارات تدنت إلى أقل مستوى، في حين أنه حتى العام الماضي هرع كثير من إيرانيي الخارج إلى إيران لشراء عقارات على أساس أنها استثمار مربح.

وأشار المصدر الإيراني إلى أن رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني هرب بالفعل ثروة تقدر بأكثر من مليون دولار إلى المصارف الإندونيسية. وكان لاريجاني الذي قام في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي بزيارة رسمية إلى إندونيسيا للمشاركة في المؤتمر البرلماني الدولي السابع للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، استفاد من تلك الزيارة لتهريب بعض من أمواله، وبعض الأموال العائدة لشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية، وكان بعضها قد أودع في البنك المركزي الإيراني، والبعض الآخر في بنك laquo;ملليraquo;.

ويتوقع المصدر أن تتلقى مصارف إندونيسية في الأيام والأسابيع المقبلة أصولا إيرانية ضخمة، يعود بعضها إلى قائد laquo;الباسيجraquo; سرتيب محمد رضا نقدي، وبعضها إلى مجتبى، ابن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي.

من جهة أخرى، وبسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، يجتمع يوميا تقريبا حاكم المصرف المركزي باهماني مع الرئيس محمود أحمدي نجاد ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي وراء أبواب مغلقة. وينضم إليهم وزراء ومسؤولون كبار وحسب ما تفرضه الظروف. ويشكل هؤلاء المجموعة التي قررت في شهر يناير سلسلة من الخطوات في محاولة للحد من انخفاض قيمة الريال الإيراني. من هذه الخطوات: رفع معدل الفائدة بشكل حاد من 14% إلى 21%، وضع سعر محدد لصرف الدولار (12260 ريالا لكل دولار أميركي)، أي أقل من مستواه السابق، والسماح ببيع الدولار فقط للمسافرين إلى الخارج والمستوردين، كما قرروا ونفذوا موجة من الاعتقالات للمواطنين ومحلات الصرافة التي تتعامل بالعملات الأجنبية في السوق السوداء.

لكن حتى الآن لم تنجح هذه الخطوات في تهدئة قلق المواطنين، ولا تزال التقارير ترد عن طوابير طويلة من الناس، والخلافات بين الأشخاص الذين يريدون شراء عملات أجنبية من الصيارفة والمصرفيين تزداد يوما بعد يوم.

وفي لقاء جرى في 31 يناير بين أحمدي نجاد وجليلي وبهماني، حذر الأخير من أن التوقعات - وفقا لمذكرة أعدها خبراء الاقتصاد في المصرف المركزي الإيراني - بأن العملات الأجنبية والذهب في المصارف في جميع أنحاء البلاد ستنقص كثيرا قبل laquo;عيد النوروزraquo;، وأضاف بهماني أنه أصدر تعليمات إلى نائب رئيس البنك المركزي رئيس قسم الشؤون الدولية سيد كمال علي سعيد علي، لصياغة توصيات جديدة لمعالجة المشكلة لجهتي الطلب والعرض.

الوضع الذي تعاني منه إيران في الداخل بدأ ينعكس على حلفائها في الخارج، ويقول القادمون من لبنان إن حزب الله يعاني من مشكلة سيولة، خصوصا بعد العقوبات التي فرضت على المصارف السورية التي كانت laquo;طريق مرورraquo; الكثير من الملايين من الدولارات، كما أن التحول في مبادئ إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس كان نتيجة laquo;نصيحةraquo; بأن رحلته الأخيرة إلى طهران قد تكون آخر الرحلات laquo;المثمرة مادياraquo;.

بالطبع حزب الله لن يتخلى عن إيران، فالعلاقة آيديولوجية وعضوية بين الطرفين، وإن كان يحاول laquo;ليونة لافتةraquo; مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، تاركا له حرية الحركة، فهو يفكر في مستقبل يخفف الكثير من خسائره المحلية. ويبقى لإيران laquo;الجهاد الإسلاميraquo; في غزة. وليس من المستبعد، بعدما انفتحت الولايات المتحدة وأوروبا على laquo;طالبانraquo;، أن يفكروا التفكير نفسه تجاه حماس العائدة.

النقطة المهمة أن الغرب منفتح الآن على حركة الإخوان المسلمين و(حماس جزء من هذه الحركة)، وإيران من جهتها تدعم هذه الحركة. يبقى من سينتصر ويكسبها، قبل أن تفشل عندما تخوض معترك الواقع السياسي والاقتصادي في الدول التي بدأت تحكم فيها أو تتطلع للحكم فيها.

في النهاية، في كل زمان ومكان: laquo;إنه الاقتصاد يا مغفلraquo;!