أمير المفرجي

تتفق الأغلبية الساحقة من العراقيين في الرأي، على فشل الأحزاب السياسية العراقية التي جاء بها الاحتلال في حكم البلاد، وتحقيق أهداف الشارع العراقي في الوحدة وإعادة بناء مجد العراق. بسبب فقدانها لرؤية موضوعية وبوصلة وطنية ناهيك عن ولاء رموزها إلى دول الجوار. حيث أظهرت فترة التسع سنوات من عمر هذه (النخبة السياسية) التي اختارتها الولايات المتحدة وإيران في مواقع هرم السلطة عن قصر نظرتها السياسية والإدارية، بعد فشلها في الحفاظ على ما تبقى من اسس الدولة العراقية، ووقف مسار سقوطها الذي بدأ بالغزو الأمريكي قبل تسع سنوات، وتدميره للدولة العراقية المدنية التي ولدت في عشرينات القرن ألماضي.
وقد يضاف إلى هذا الاتفاق الشامل لرأي المواطن العراقي فيما يتعلق بأسباب سقوط العملية السياسية وفشل رموزها، اعترافات زعماء هذه الأحزاب السياسية نفسها، بعد أن أقر رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي شخصياً بفشل العملية السياسية التي بدأت في العراق في 2003، مطالبا الشارع العراقي بعدم انتخابه او المشاركة بالانتخابات التشريعية مجدداً. وإذا كان هذا الاعتراف الأخير الخطير للسيد أياد علاوي قد جاء متأخراً وفي ظروف استثنائية بعد إبعاد رفاقه طارق الهاشمي وصالح المطلق من المشهد السياسي إلا انه يترجم في نفس الوقت، من قبل العديد من متتبعي المشهد السياسي العراقي على انه شهادة واضحة بقرب انتهاء فترة حكم المحاصصة وبدء فترة طلاق نهائي بين شركاء الولايات المتحدة وإيران في حكم العراق وانتقال المشهد السياسي الى فترة جديدة اخرى قد تفجر الاوضاع وتعيدها الى مربع الاقتتال الأول.
وإذا كان من الطبيعي في ان يبدي الشعب رأيه ويدلي بشهادته بما حدث في هذه الفترة من حكم الفاشلين من فساد ودمار طائفي وتبعية للدول الاقليمية، فان تعرية ورفض شركاء العملية السياسية بعضهم للبعض هو بمثابة إشارة واضحة بانتهاء فترة التعايش السياسي المصطنع الذي فُرض عليهم من قبل أولياء الأمور منذ 2003 . وهكذا فقد أصبحت عملية المشاركة في حكم العراق في الوقت الحاضر ضيقة الأفق والآفاق ولم تعد تتسع للجميع في ظل الصراعات عن السلطة ومؤامرات الاغتيالات الهادفة الى تصفية عدد من رموز العملية السياسية ابتداء من نوري المالكي وإبراهيم الجعفري وأياد علاوي ناهيك عن ملفات مؤامرات التصفية السياسية التي اتهمت العديد منهم بالإرهاب واحتمال مسؤولية بعض من هذه الرموز المهمة في عمليات القتل والتفجيرات التي ابتلى بها العراق والعراقيون.
وبهذا فقد اجتازت حدة الصراع على السلطة درجة جديدة من الخطورة، وتحولت من الخفاء إلى العلنية ضاربة عرض الحائط قوانين وحدود (الاتيكيت) الديمقراطي في آداب المعاشرة وقواعد التشريفات العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال. فمحاولات اغتيال الرموز السياسية او الدينية في أيامنا هذه كثيرة. ففي الوقت الذي يتم الكشف عن خلية كانت تخطط لاغتيال ابراهيم الجعفري اثناء خروجه من محيط المنطقة الخضراء، تعلن القائمة العراقية عن وجود مخطط جديد لاغتيال أياد علاوي تعد له (جهات معلومة).
لقد وصل هذا الصراع الداخلي بين شركاء العملية السياسية الى درجة من الشراسة بحيث باتت عملية كشف وتتبع هذه الصراعات الداخلية التي يقف وراءها المسؤولون العراقيون أنفسهم، الشغل الشاغل لجهاز الاستخبارات العراقي الجديد الذي كان من المفروض ان يوجه نشاطه الرئيسي من أجل حماية العراق والدولة من الاخطار الخارجية للدول الإقليمية وأجنداتها العدوانية. لهذا فمن غير المستغرب أن تصل العملية السياسية الى هذا الحد من الفشل ومن غير المستغرب أيضا في أن نرى هذا الصراع بين رموزها الى حد الاقصاء السياسي والجسدي وتنكيل الشريك للشريك الأخر.
في الأمس أغمض هؤلاء الشركاء أعينهم على حقيقة ما يحدث في العراق من فساد وفقر وانفجارات وقتل على الهوية، في الوقت الذي انتشرت فيه العصابات المشتركة التابعة إلى أحزابهم الحاكمة. في الأمس أيضا أدار هؤلاء ظهورهم للعراقيين ورفضوا من توفير الخدمات الدنيا والبسيطة للمواطن الذي قهرته المشاكل والهموم في بلد وضعت صادرات النفط تحت تصرفهم حيث تجاوزت ميزانية عام 2012 على المائة مليار دولار وهي الأكبر في تاريخ العراق. وبالأمس أيضا توافق شركاء الأمس على فرض السياسة الطائفية المذهبية وإبرازها على أساس أنها واقع قائم. و أضحى الصوت العراقي في المحافل الدولية مثار سخرية أمم العالم بعد السماح لإيران ولدول الجوار بالتدخل في شؤون البلد وعلى حساب شعب العراق ومصالحه التاريخية.
فهل هناك أكثر من هذا الاعتراف بالخطيئة، بفشل العملية السياسية التي تم بنائها على أسس المحاصصة العرقية والطائفية. وهل هناك أقوى من هذا الدليل بسقوط رموزها وهم الذين تقاسموا مواقع صناعة القرار وتوافقوا على حماية المفسدين والتستر على جرائم بعضهم البعض وهم المسؤولون عن انهيار الجانب الأمني الذي بدأ منذ عام 2003 ولحد يومنا هذا. ان فشل رموز العملية السياسية في إعادة بناء العراق قد جاء بدون شك من غياب الحس الوطني.
فتجربة التسع سنوات الفاشلة قد أظهرت بأن العراق لا يمكن ان يحكم من قبل هذه الرموز حيث أصبح من حكم الطبيعي بقرب نهاية العملية السياسية واحتمالات الهروب إلى الأمام عن طريق اللجوء إلى حكم الديكتاتورية برجل وحزب طائفي واحد.
ان الهروب الى الأمام عن طريق التوجه إلى محاولة تشكيل حكومة (أغلبية طائفية)، ستكون بمثابة القشة التي سوف تقصم ظهر البعير، وسيكون لها في النهاية الأثر الكبير في نهاية فترة حكم النظام الحالي الذي سترفضه العديد من المكونات العراقية حتى ولو أشرك البعض منهم في الحكم . وسيكون الفشل من نصيب أي حكومة طائفية اذا ما حاولت الانفراد بالسلطة، وسوف تفشل وكما فشل أصدقاء إيران في محاولتهم في حكم العراق انطلاقا من السيطرة على العاصمة بغداد وتغيير معالم العراق الاجتماعية حيث كان في مشروع إخضاع عاصمة الرشيد لحكم الطائفة الواحدة السبب الكبير في احتدام التقاتل الطائفي بعد محاولات تغيير معالم بغـداد إلى مدينة ذات صبغة طائفية عن طريق تغيير طبيعة سكانها وإناطة إدارة مؤسساتها الخدمية والتاريخية من قبل طائفة معينة وعلى حساب مكونات المدينة الأصيلة الاخرى.
وهكذا وعلى الرغم من كل هذا التشرذم وانعدام الأخلاقية السياسية في العمل السياسي، يتشبث العديد من هؤلاء بالبقاء بالسلطة وكأن كل هذه الفترة الطويلة من الفشل في حكم العراق لم تكن كافية في أدانتهم بل وفي محاكمتهم، عن كل ما اقترفوه بحق الشعب والوطن. ان قدوم قسم من العرب في مؤتمر القمة العربية القادم في بغــداد، والتشبث بأحلام عقد مؤتمر وطني من أجل العودة الى حكم العراق او التوجه إلى محاولة تشكيل حكومة (أغلبية طائفية) قد لا تزيل صور تسع سنوات من الفشل والفساد وانعدام للأمن من ذهن الانسان العراقي. لقد ان الأوان للقوى العراقية الشريفة من لعب دورها الوطني المشروع في البحث عن البديل للخروج من هذا الفشل الذي يتحمله رموز العملية السياسية التي حكمت العراق قاطبة وبدون استثناء.