محمد الصياد

إلى أين يتجه العالم العربي؟ . .هل انتهى زخم ldquo;الربيع العربيrdquo;؟ وما هو طابع المراحل الانتقالية في البلدان التي حقق فيها ldquo;الربيع العربيrdquo; اختراقات نوعية في مشهدها السياسي العام؟

بعد مرور ما يقارب السنة ونصف السنة على اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق وغير المسبوقة في عدد من البلدان العربية التي ذهبت اصطلاحاً فيما بعد بمسمى ldquo;الربيع العربيrdquo;، تبدو صورة الواقع المستجد في بلدان ذلكم ldquo;الربيعrdquo; للناظر المتمعن فيها وكأنه أمام لوحة سوريالية تحتاج إلى أدوات تحليل خاصة لتفكيك طلاسمها .

ولعل أول طلسم فيها ذلك المتعلق بتربع من هم في خريف العمر على السلطة لشغر مواقعها التي كان قد ldquo;حررهاrdquo; من هم في ربيع العمر، الذين كانوا في الميادين في طليعة الأمواج البشرية التي أسهمت بصورة حاسمة في إحداث التغيير .

أما الطلسم الثاني الذي قد يبدو لأول وهلة غير مفهوم في ضوء فرضية توقعات التغيير الإيجابية، فهو ذلك المتصل بتكرار أسلوب الاستحواذ على السلطة الذي كان الطابع الموسوم لأسلوب الوصول إلى السلطة في العالم العربي خلال العقود الماضية . فالذين كانوا يُعيبون على من هم في السلطة ما قبل عواصف ldquo;الربيع العربيrdquo; بأنهم اختطفوها بالانقلابات ووسائل الغدر الأخرى غير المشروعة، إذا بهم يتحولون إلى مشاريع طغيان جديدة وذلك برسم أساليب وفنون ماكرة استدعوها من مدونات أجنداتهم الحزبية غير المعلنة .

وبسبب هذه الأساليب التي أساءت كثيراً إلى ldquo;الربيع العربيrdquo;، وكذلك انفراط عقد القوى الشبابية - غير المنظمة أصلاً - والقوى الاجتماعية المتشاركة معها في إحداث التغيير النوعي اللافت، فقد تمكنت القوى المضادة ل ldquo;الربيع العربيrdquo; بدعم من امتداداتها الدولية والإقليمية، من استعادة زمام المبادرة والسيطرة والتحكم جزئياً في مسار المراحل الانتقالية في بلدان ldquo;الربيعrdquo; . . الهشة . والشواهد على ذلك أكثر من أن تُحصى، ليس أقلها، في مصر على سبيل المثال، التلكؤ الواضح في تقديم رموز الفساد والاستبداد إلى العدالة، بل وتمكين عدد منهم من العودة إلى المشهد وrdquo;تمريرهمrdquo; قضائياً وتسويقهم شعبياً كمنقذين من ldquo;المجهولrdquo; القادم .

وفي مصر أيضاً ldquo;قررتrdquo; القوى المدنية الحداثية توزيع ولاءاتها على أكثر من مرشح رئاسي ldquo;لكي تضمنrdquo;، على ما يبدو، تشتيت وإحراق أجزاء مهمة من قوتها التصويتية .

وفي تونس تتسارع عملية التفكك والتشرذم داخل حزب رئيس الجمهورية المؤقت المناضل السابق في مجال حقوق الإنسان المنصف المرزوقي، حزب ldquo;المؤتمر من أجل الجمهوريةrdquo; الذي كان يُنظر إليه حتى وقت قريب على أنه ldquo;الجناحrdquo; الذي تستظل به القوى المدنية لموازنة التوجهات والقوى السياسية الدينية بقيادة حزب النهضة الحاكم مؤقتاً (خلال الفترة الانتقالية) .

هو ذات التكالب الذي حرم القوى المدنية الحداثية من منافسة وrdquo;مغالبةrdquo; التيارات الدينية المتشددة ذات الخطابات الملتبسة، إن لم تكن ملغومة، فيما يتصل بمستقبل مسارات التنمية الكلية .

وهكذا، فإن المشهد الذي أمامنا بعد مضي سبعة عشر شهراً على انطلاقة ldquo;الربيع العربيrdquo; هو على النحو الآتي: في جانب هناك ldquo;تقاتلrdquo; على مواقع السلطة من قبل النخب السياسية للقوى الاجتماعية التي شاركت في الحراك الشعبي العارم لموجات ldquo;الربيع العربيrdquo;، في أعقاب عمليات التفكك والتشرذم التي سرى مفعولها مع بداية المرحلة الانتقالية . وفي جانب آخر هناك ما يمكن أن نطلق عليه ldquo;الاحتيال السياسيrdquo; الذي لجأت إليه القوى المضادة للتغيير، بالتآزر والتساند مع بعض امتداداتها الإقليمية والدولية، من أجل قطع الطريق على الثورات وحركات التغيير العارمة للوصول إلى السلطة واحتواء ldquo;منسوبrdquo; التغيير .

ولعل هذا ما يجعل فترة المراوحة الحالية في المشهد السياسي في أقطار ldquo;الربيع العربيrdquo;، أقرب إلى مرحلة الاستيعاب وإعادة السيطرة والتكيف، منها إلى المرحلة الانتقالية من نظام سياسي - اقتصادي ذي محتوى اجتماعي معين إلى نظام سياسي - اقتصادي - اجتماعي آخر، ولكن من دون أن يعني ذلك حسماً نهائياً للصراع بين القديم ldquo;المنتهية صلاحيته وولايتهrdquo; والقادم ldquo;الجديدrdquo; الذي ما زال يبدو مصمماً على إحداث التغيير المنشود .