لميكن حافظ الأسد على قدر من الاستعجال ليصرح بما قاله رفيقه السابق محمد عمران بأن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها ولكنه فعل على الأرض ما يزيد على ذلك..


إيلاف : حرّف الضابط الدرزي سليم حاطوم الذي كان حليفا لحافظ الأسد ثم انقلب عليه فأعدمه الأسد ، شعار حزب البعث العربي الاشتراكي من (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) الى (أمة علوية واحدة ذات رسالة خالدة) ، ويعلق عبد الله بجاد العتيبي حول الموضوع مذكّرا بأن موضوع الطائفية حاضر بقوة عبر تاريخ سوريا الحديث ، ففي العهد العثماني كانت معارضة الشعب والمفكرين العرب حينها ترتكز على معارضة العثمانيين باعتبارهم مستبدين ودون أي حضور للبعد الطائفي، غير أن بعض الأقليات كان لديها شعور آخر بأن ذلك كان حكما أجنبيا، وهذا التفريق يوضحه ما تجلى لاحقا في زمن الانتداب الفرنسي لسوريا حين سعى إلىبناء دويلة للأقليات وعلى رأسها الأقلية العلوية في جبال العلويين، هذه المنطقة التي تم تغيير اسمها لاحقا لتصبح اللاذقية، فقد سعى الانتداب الفرنسي حينها إلى تجنيد أبناء الأقليات في الجيش عبر (القوات الخاصة للشرق الأدنى) التي أنشأها ورعاها، في زمن كان أهل المدن السنيون يحتقرون العمل في الجيش كمهنة وهو ما أضرّ بهم لاحقا، وقد أدّت تلك القوات إلى تأسيس تقليد عسكري علوي أصبح مركزيا في صعود الطائفة اللاحق.

وحول الأزمة السورية ايضا يرى سميح صعب ان هناك توصيفات ووصفات مختلفة وكثيرة للأزمة السورية ، فالبعض يقول انها حرب أهلية وآخرون يقولون إنها تتجه الى الحرب الاهلية ولم تدخلها بعد، وهناك من يقول إنها حرب أهلية محدودة تنذر بالتحول الى حرب شاملة اذا لم يوجد لها العلاج المناسب.وأما في ما يتعلق بالمعالجات، فهناك من يقترح ما يسمى الحل البوسني أو الحل الليبي أو الحل العراقي أو الحل اليمني.
من جهة اخرى، يرى صالح عبد الرحمن المانع أن مخططات الأسد (الطائفية) لن تنجح، فهناك أحرار علويون أعلنوا انضمامهم للجيش السوري الحر، ومن أبرز هؤلاء المقاتلين المقدم أحمد حرفوش، وهناك كتيبة علوية كاملة تابعة للجيش الحر، كما أن هناك كتائب كردية ودرزية تقاتل دفاعاً عن حرية بلادها. ويكفي المقاومة السورية فخراً ndash; بحسب صالح - في انفتاحها أن الرئيس الجديد للمجلس الوطني السوري، عبدالباسط سيدا، هو شخصية وطنية كردية مستقلة.
سلاح الطائفية
يرى عبد الله بجاد العتيبي في مقاله الذي نشرته صحيفة الشرق الاوسط في عددها الصادر اليوم أن quot;الطائفية المقيتة تبدو من أفضل أسلحة إيران السياسية داخليا وإقليميا؛ داخليا الأمر ظاهر ولا يحتاج إلى دليل من نص الدستور إلى فعل السلطة اليومي، وإقليميا فهي تمارس هذه اللعبة الخطرة في سوريا واليمن والبحرين، كما لعبتها سابقا في لبنان والعراق، وكما تهدد بها على الدوام، ولكن ممارسة الطائفية على المستوى الداخلي، أي داخل الدولة، قد سبقها بها حافظ الأسد في سوريا وسلّمها من بعده لابنه بشار الذي صار رئيسا بديلا لباسلquot;.
وبحسب العتيبي فإن quot;سوريا وإيران مستمرتان في تلك السياسة، وهما وأتباعهما في المنطقة يحاولون وصم كل من يتطرق إلى الموضوع الطائفي وعلاقته بالصراع في سوريا بأنه مع الطائفية حتى وإن تناول ذلك بحقائق تاريخية وتحليل علمي، وهي لعبة أصبحت مكشوفة، فالموضوع الطائفي في سوريا وإن كان شائكا يجب أن يكون على الطاولة كتاريخ وكواقع، وأن يتم التعامل معه بالحكمة والعقل بعد المعرفة والوعيquot;.
ويعرّج العتيبي على التاريخ السوري القريب فيذكر quot; بعد الاستقلال السوري، وبعكس أهل المدن السنيين، انخرط كثير من أبناء الأقليات وسكان الريف في حزب البعث وفي الجيش: في حزب البعث الذي يرى مطاع صفدي أنه (في الأصل حركة طائفية) فقد عانى قادته كثيرا في نقله إلى المدن وإلى الأكثرية السنية، أما الجيش فقد انتهكت عقيدته العسكرية باكرا بعد الاستقلال لتصبح ولاءات ضباطه موزعة بين الأحزاب الآيديولوجية والولاءات العشائرية والطائفيةquot;.
ويتابع quot; في هذا السياق وعلى هذا النسق أنشأ حافظ الأسد مع أربعة آخرين كلهم من الأقليات، ثلاثة علويين: محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، وإسماعيليين: عبد الكريم الجندي وأحمد المير (اللجنة العسكرية) التي تطورت لاحقا ليحكم حافظ سوريا من خلالها. وبعد انقلاب البعث 1963 بدا لصلاح جديد وحافظ الأسد أن الاستقطاب الطائفي للأقليات في الحزب والجيش هو سبيلهما الأمثل لاعتلاء السلطة، وحين انحاز جديد للسيطرة على الحزب اتجه الأسد للسيطرة على المؤسسة العسكرية، وحين نشب الصراع بينهما لاحقا كان الأسد هو الأقوى وصاحب الكلمة الفصل ففرض نفسه بقوة الجيش الذي سيطر عليه عبر ولاءات الأقلية والطائفية التي كوّنها ووثق بهاquot;.
ويسترسل العتيبيquot; لم يكن حافظ الأسد على قدر من الاستعجال ليصرّح بما قاله رفيقه السابق محمد عمران بأن (الفاطمية يجب أن تأخذ دورها) ولكنه فعل على الأرض ما يزيد على ذلك، ثم لم يزل وعي الأسد يتجه باتجاهات أكثر ضيقا؛ فمن الاعتماد على الأقليات عموما إلى الاعتماد على الفاطمية إلى تخصيص العلوية وصولا إلى العشائرية ثم العائلية لإدارة الجيش والبلادquot;.
ويتابع العتيبي سرده تفاصيل تاريخية quot; قام حافظ الأسد بعد انقلاب البعث 1963 بتصفيات متتالية لضباط الجيش كالتالي: (تصفية أبرز الضباط السنيين 1966 والدروز 1966 والحورانيين 1966 - 1968 والإسماعيليين 1968 ndash; 1969 ) ، ثم (اعتمد الأسد إلى حد كبير بعد 1971 على ضباط من عائلته الشخصية أو عشيرته أو أبناء المناطق المجاورة لقريته) (نيقولاس فان دام: الصراع على السلطة في سوريا: ص131) حيث ذكر بتفاصيل موثقة قصة هذا الانتقال والتصفيات مع أرقام إحصائية جديرة بالقراءة والتحليلquot;.
ويرى العتيبي ان quot;حافظ الأسد استمر على هذا الوعي الطائفي حتى بعد استحواذه الكامل على السلطة، وكما كان هذا واضحا في قناعاته فقد كان واضحا لدى بعض القادة العرب الذين تعاملوا معه، ففي قناعاته يذكر عبد الحليم خدام أنه في الشأن اللبناني كان يعتبر الطائفة الشيعية هي الأكثر قربا من النظام وأن القيادات السياسية للمسلمين السنة في لبنان لا يؤتمن لها، وفي مواقف القادة العرب كان السادات يسمي نظام الأسد بـالبعث العلوي ونقل عن فيصل أن الأسد بعثي علوي، وأحدهما ألعن من الآخرquot;.
ويعتقد العتيبي ان quot;نار الطائفية حين تشتعل لا تعرف حدودا من عقل أو سياسة، بل إنها تأكل الأخضر واليابس، وتجر الجميع لدوامتها، ولن تقف عند حدود سوريا، ولكنها ستصل لحدود روسيا، وسترمي بشررها على الغرب كله، فهي حين تتحول لقوة سياسية فلا يمكن التنبؤ بآثارهاquot;.
سبل الخروج من الازمة
وفي جريدة النهار اللبنانية كتب سميح صعب ان quot;الاميركيين والعرب يحتارون في سبل الخروج من الازمة ، فخطة كوفي انان تلفظ أنفاسها وفي حاجة الى من ينقذها لأن الغرب والعرب لم يكونوا مقتنعين بها منذ البداية. والعرب يريدون من مجلس الامن منذ بدايات الأزمة تدخلاً عسكرياً غربياً لإسقاط النظام على غرار التدخل الذي جرى في ليبيا دونما اكتراث بما يمكن ان يقود اليه التدخل العسكري الخارجي من تدمير لكل مقومات الدولة ونشوء فوضى تستفيد منها الحركات الاسلامية المتشددة. فالمهم في نظر هؤلاء زوال النظام بأي ثمنquot;.
ويرى صعب ان quot; الغرب الذي بدا متردداً في عسكرة المعارضة اول الامر، فراهن على ان العقوبات الاقتصادية يمكن ان تؤدي الى انهيار النظام من دون تدخل عسكري يمكن ان يعيد توريط الولايات المتحدة عسكرياً في منطقة بذلت جهوداً كبيرة للخروج منها. ومن دون القوة العسكرية الاميركية لا يستطيع الآخرون التدخل عسكرياً وتركيا اسطع مثال على ذلكquot;.
اما المعارضة السورية في الخارج - بحسب صعب ndash; فقد quot; وقعت ايضاً في فخ الرهانات الخاطئة، وكانت تعتقد ان الغرب لن يسمح للازمة بأن تطول وان لحظة التدخل العسكري لا ريب آتية. والامر الوحيد الذي تحقق هو عسكرة المعارضة من اجل ايجاد توازن مع القوة العسكرية للنظامquot;.
مقاومة لا تعترف بالطائفية
وكتب صالح عبد الرحمن المانع في صحيفة الاتحاد الاماراتية quot; أن خطة أنان، منذ البداية، في موادها الست لم تكن قابلة للتنفيذ ، فالخطة التي نصت على وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الأسد من المدن إلى الضواحي لم يكن لها ناب يستطيع بموجبه مجلس الأمن معاقبة القوة التي تكسر إرادة المجلس وتواصل إطلاق النار. وهو ما دفع كتائب الأسد إلى زيادة هجومها على المدن السورية واقتراف مذابح كبرى في الحولة والقبير وغيرها من القرى والمدن السوريةquot;.
ويشير صالح الى أن quot;الأرقام المعلنة كتعداد للضحايا السوريين حيث تؤشر بوضوح إلى فشل مهمة أنان في كبح جماح العنف، بل ربما زادت هذه المهمة من حدة حرب الحكومة ضد المعارضة، وضد المدنيينquot;.
ويرى صالح ان quot;أهم اختبار للمقاومة السورية هو كونها مقاومة وطنية لا تعترف بالطائفية أو المذهبية، بل تقاتل من أجل بناء وطن سوري عربي مستقلquot;.