لندن
'الربيع العربي' لم يصل بعد الى كامل قوته الى الدول التي شهدت حروبا أهلية متواصلة واستقطابا داخليا عميقا في عشرات السنين الاخيرة. اليمن هو استثنائي. الاضطراب المدني الذي ألم باليمن ابتداء من كانون الثاني 2011 بالهام الهزة في المنطقة العربية فاقم الميول القائمة وسرع سياقات من شأنها أن تؤدي الى تفكك الدولة. وكان الامل في أن يضع اعتزال صالح منصبه حدا لـ 'ثورة اليمن' ولكن ليس أقل من ذلك لوضع الدولة الصعب.
غير أن رحيله لم يؤدِ حتى الان الى الاستقرار المنشود. العكس هو الصحيح، 'الثورة اليمنية' أضعفت الحكم المركزي وأدت الى تعزيز نفوذ ايران والقاعدة. فقد دفعت الثورة اليمنية ايران الى تصعيد دعمها السياسي والعسكري لعناصر المعارضة في اليمن، وعلى رأسهم المتمردون الحوثيون الشيعة. ايران لا تساعد الشيعة فحسب. فضعف الحكومة اليمنية الحالية دفع ايران الى الاستثمار في دعم عناصر مختلفة في الساحة اليمنية، حتى لو كانوا ذوي جداول أعمال مختلفة: بما في ذلك حركة 'حراك' التي تسعى الى فصل الجنوب عن اليمن، بل وبزعم السعوديين، لعناصر تتماثل مع القاعدة. والهدف في كل الاحوال هو الاثقال على الحكم المركزي في فرض إمرته في كل أرجاء الدولة.
من بين الجماعات في اليمن التي تحظى بدعم ايراني، حجم الدعم العسكري الايراني للشيعة هو الاهم ويتضمن نشاطا لـ 'قوة القدس' من الحرس الثوري، ويحتمل أيضا مساعدة من حزب الله. ارساليات السلاح الايرانية (بنادق هجومية، عبوات، سلاح مضاد للدبابات وسيولة مالية عظيمة، تنقل عبر البحر بشكل عام) ليست بحد ذاتها ذات مغزى بالنسبة لكميات السلاح الموجودة في اليمن. غير أنها تسمح لايران بكسب النفوذ. فضلا عن ذلك، فان هذه مساعدة ثابتة ومستمرة تدل على أهمية التمرد الشيعي بالنسبة لطهران كسبيل لتعظيم نفوذها في الدولة الممزقة وضرب استقرار السعودية، خصمها المركزي في المنطقة.
واستغل المتمردون الفوضى السائدة في اليمن منذ 2011 لتوسيع المناطق التي تحت سيطرتهم وهم عمليا يسيطرون على معظم اقليم سعده وكذا في مناطق واسعة على طول الحدود مع السعودية. من حركة ايديولوجية دينية، تكافح ضد حكومة اليمن، بسبب ما تدعيه من تمييز متواصل من جانب الحكومة، تحولت الى حركات عصابات كلاسيكية، تستغل في صالحها الارض الجبلية في شمالي اليمن. وتستمد ايران منفعة من علاقتها بالنزاع في أنها جلبت طرفا ثالثا ليجسد قوتها الاقليمية المتعاظمة ومدى نفوذها العسكري. السعودية من جانبها تخشى أن يشكل اهتزاز استقرار اليمن فرصة لايران خصمها المركزي، لمواصلة التدخل في ما يجري في هذه الدولة.
بتدخلها، تسعى ايران الى ان تُري بانه بدونها لن يكون ممكنا حل المشاكل السياسية في اليمن. وستخرج ايضا كاسبة من اقامة اقليم بري في منطقة شمالي اليمن يمكنها عبره أن تستخدم نفوذها هناك كرافعة ضغط سياسية تجاه الرياض في ظل استخدام قدرتها على 'المناوشة' العسكرية للسعودية عند الحاجة. نفوذها هناك يسمح لها أيضا بقدرة وصول الى البحر الاحمر، لضمان توريد السلاح المستمر من ايران عبر البحر الى فروعها في المنطقة وكذا لفرض تواجد ايراني متواصل بجوار مضائق باب المندب وحتى قناة السويس والبحر الابيض المتوسط.
القاعدة في شبه الجزيرة العربية، استغلت هي الاخرى الفوضى الداخلية التي جلبتها 'الثورة اليمنية' ووسعت بمواظبة المناطق التي تحت سيطرتها؛ فقد سيطرت على مدى سنة على بلدات عديدة وعلى معظم اقليم أبين. عمليا، قوات 'انصار الشريعة'، المتماثلة معها، تعمل كادارة محلية في عدة مناطق حيث لا يتواجد الحكم المركزي. قبائل توجد في تحالف معها تحاول كل الوقت توسيع سيطرتها ايضا الى مدينة الاقليم لاودر المشرفة على طرق الوصول الى مناطق مثل حضرموت وبيضه بل وعدن، الميناء الاهم في اليمن. طبيعة عمل المنظمة تغيرت بموجب ذلك وهي ترتدي الان أكثر فأكثر طابع التمرد (insergency). رئيس اليمن، عبد ربه منصور هادي، يقاتل القاعدة لانهه مقتنع بانه خلافا للماضي، فان المنظمة تشكل الان تهديدا على حكمه وعلى سلامة ووحدة أراضي اليمن، ولكن ايضا كسبيل لنيل الشرعية لحكمه والدعم المالي من الغرب ومن دول الخليج. وبالفعل، منذ تسلم مهام منصبه كرئيس وهو يحث الصراع ضد المتطرفين الاسلاميين بل وحصد انجازات لا بأس بها: في 12 أيار بدأت معركة برية وجوية واسعة بمساعدة أمريكية وقبائل موالية للجيش ضد القاعدة في جنوب اليمن. في أثناء هذه المعركة احتلت معظم معاقلها في أبين وشبوه، بما في ذلك زنجبار وجار، حيث سيطرت المنظمة لاكثر من سنة وهي الان توجد في حالة فرار. منذ تسلم هادي مهام منصبه، اتسع التعاون، ولا سيما الاستخباري، مع الامريكيين، وتبعا لذلك ارتفع عدد عمليات التصفية 'للمشبوهين باعمال الارهاب' ولا سيما من خلال الطائرات بدون طيار: منذ بداية السنة، للمرة الاولى، وتيرة الهجمات تجاوز عددها العمليات في الاراضي الباكستانية. وحتى دون زيادة وتيرة الاغتيالات، فقد بات اصعب فأصعب التمييز بين نشطاء الارهاب واولئك المقاتلين في صالح حقوقهم وضد الحكومة.
المساعدة المالية الامريكية لليمن ازدادت هي ايضا كحافز لحكومة اليمن للقتال ضد القاعدة. ومع ذلك، يبدو انه كان من المناسب أن تشترط الولايات المتحدة المساعدة التي تمنحها للجيش اليمني في الا تنتقل الى وحدات تتآمر على حكم الرئيس أو تلك التي يعرف أنها مست بالمواطنين الابرياء. المعدات والتدريب لوحدات الجيش اليمني، ثبتت في الماضي كغير ناجعة وكدافعة الى الامام لاجندة شخصية. على الدول الغربية ودول الخليج أن تشترط هي ايضا مساعداتها الخارجية لحكومة اليمن بحفاظها على المعايير الثابتة لحقوق الانسان الاساسية والتأكد من أن اليمن يسير الى الامام وليس الى الخلف.
تقيس واشنطن نجاح سياستها في اليمن حسب عدد رجال القاعدة الذين تمكنت من وضع اليد عليهم وحسب وضع اليمن الاجمالي. بسبب انهيار صلاحيات حكومة اليمن في مناطق المحيط وكنتيجة لصعود قوى جديدة في أعقاب الهياج، توجد الان مراكز قوى كثيرة سيتعين على الولايات المتحدة أن تفهمها. ستكون حاجة الى أكثر من اغتيال نشطاء ارهاب من أجل التصدي لهذا التهديد الاستراتيجي.
هادي شريك في الحرب ضد القاعدة ويسعى الى حصر تدخل ايران. وهو سيبقى ملتزما بذلك كي تتواصل المساعدات الاجنبية. وبالتوازي، عليه أن يوازن التأثير المتواصل للعائلة ، القبيلة والحلفاء لصالح في الجيش اليمني بشكل حذر كي يضمن الا يشعر هؤلاء بان مصالحهم تتعرض لخطر حقيقي. ما يفاقم الوقع أكثر فأكثر هو حقيقة أن الكثيرين لا يسلمون بالاتفاق الذي سمح برحيل صالح. ويذكر أن الاتفاق يمنح الرئيس السابق حصانة ضد تقديمه الى المحاكمة، ويكلف بصياغة الدستور الجديد النخب القديمة. مسيرة الاصلاحات في اليمن لم تؤدي بعد الى الترحيل الكامل للحزب الحاكم او حتى لترحيل العائلة الحاكمة. الرئيس السابق، صالح، لا يزال يلعب دورا هاما في السياسة اليمنية بسبب حقيقة أن عائلته والموالون له لا يزالون يحتلون مناصب اساس في قيادة الدولة والجيش.
الاشهر القريبة القادمة ستكون حرجة بالنسبة لمستقبل اليمن، سيتبين في اثنائها اذا كانت المنظمات الاسلامية ستكمل الاحتلال الرمزي لـ 'ميدان التغيير' في صنعاء وكيف سيجري 'الحوار الوطني'، الذي يفترض أن ينتج دستورا جديدا. مهما يكن من أمر، فلكل واحدة من الجماعات التي يتشكل منها الفسيفساء اليمني يوجد حلم مختلف لصورة الدولة. النتيجة هي أن الارتباط بالقوى الخارجية بهدف تحسين مكانتها الداخلية الامر الذي يجعل اليمن ساحة صراع اخرى، هامة للغاية، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين ايران والقاعدة وبين الغرب.
يوئيل جوجنسكي - نظرة عليا
التعليقات