باريس
معالم تومبوكتو التاريخية تحت معاول التطرف الهدامة، وأصداء الانتخابات الليبية، وضرورة مغادرة بشار للسلطة في سوريا، وعلاقة الصداقة التقليدية بين ألمانيا وفرنسا...قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.
محنة تومبوكتو
حذرت صحيفة quot;لوموندquot; في افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي من المصير القاتم الذي ينتظر مدينة quot;تومبوكتوquot; المالية بعد الهجوم الأخير الذي تعرضت له أضرحتها التقليدية ورموزها الثقافية على يد جماعات متشددة تدعي أنها تطبق الشريعة الإسلامية، فالمدينة الواقعة على تخوم نهر النيجر والمعروفة بحمولتها الثقافية حيث تضم كنوزاً إسلامية عريقة جعلتها أحد المواقع المهمة للتراث العالمي الخاضعة حسب منظمة اليونيسكو، كما أنها مدينة الأضرحة والأولياء الذين يزيد عددهم عن 333 ضريحاً موزعين على مختلف أنحاء المدينة، بل الأكثر من ذلك تشير الصحيفة إلى الإشعاع الثقافي الذي لعبته quot;تومبوكتوquot; في التاريخ الإسلامي باعتبارها منارة للعلم تضم إحدى أعراق الجامعات، بالإضافة إلى المخطوطات العربية والإسلامية التي تجعلها تراثاً إنسانياً لا يخص الماليين وحدهم، بل الإنسانية جمعاء. لكن كل هذه الحمولة الثقافية والعلمية، تقول الصحيفة، لم تشفع لـquot;تومبوكتوquot; من التدمير على يد جماعات إسلامية متشددة استطاعت بفضل السلاح المتدفق من ليبيا وهشاشة الوضع المالي بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالسلطة وأفضى إلى فراغ سياسي السيطرة على مناطق شاسعة من شمال مالي، بل وأزاحت من طريقها الحركة القومية لتحرير quot;أزوادquot; بعد فترة وجيزة من الاتفاق الثنائي بينهما، وإلى الآن تضيف الصحيفة ليس معروفاً على وجه الدقة هوية الأفراد الذين يحطمون الأضرحة ويفرضون على الأهالي سلوكات معينة، بحيث تتضارب الآراء بين انتمائهم إلى تنظيم quot;القاعدةquot; في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين. فبعد هروب الطوارق من المنطقة وحظر الجماعات المتشددة على الصحفيين دخول شمال مالي، بل إرغام السكان على البقاء في منازلهم وعدم التواصل مع العالم الخارجي لم يعد هناك من ينقل الوضع الداخلي في شمال مالي، ومهما يكن الأمر تناشد الصحيفة المجتمع الدولي، والأطراف التي تدخلت في ليبيا، للوقوف بحزم ضد ما يجري لتومبوكتو وإنقاذها مما تسميه همجية الجماعات المتطرفة.
اقتراع تاريخي
تطرقت مجلة quot;لونوفيل أوبزيرفاتيرquot; في افتتاحيتها ليوم أمس الأحد إلى الانتخابات التشريعية الأولى التي تشهدها ليبيا منذ أكثر من أربعين عاماً قضتها تحت حكم القذافي، فبعد ثمانية أشهر على الإطاحة بنظام القذافي في ثورة خلفت الكثير من الضحايا وشارك فيها حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين، يصل الليبيون، حسب المجلة، إلى محطة مهمة في طريق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية واستعادة الحياة الطبيعية بعد مرحلة انتقالية طويلة تخللتها بعض الاضطرابات وأعمال عنف، بل إن الانتخابات الحالية التي يُراد منها انتخاب مؤتمر وطني يناط به اختيار هيئة تأسيسية لكتابة الدستور تجري تحت تهديد بعض الأطراف في الشرق الليبي بمقاطعة الانتخابات وتعطيل سيرها، وهنا تحذر المجلة من التحديات التي تنتظر الليبيين، لا سيما في ظل الدعوات المطالبة بالفيدرالية والحكم الذاتي في المنطقة الشرقية والاستياء الذي أبداه البعض من توزيع المقاعد على المناطق الليبية وتخصيص 60 مقعداً للمنطقة الشرقية، فيما حظيت طرابلس ومناطقها بمائة مقعد والمنطقة الجنوبية بأربعين مقعداً، لكن ذلك يرد البعض بأنه منطقي بالنظر إلى الكثافة السكانية الأكبر للمناطق الغربية مقارنة بنظيرتها الشرقية، ومع ذلك يتعين كما تشير إلى ذلك الافتتاحية التعامل مع هذا الموضوع بحكمة وروية تفادياً لإثارة النعرات الانفصالية لدى البعض التي تغذيها على ما يبدو الثروة النفطية التي يزخر بها إقليم برقة التاريخي ورغبة البعض في الاستئثار بالموارد وقصرها على الشرق الليبي، كما تشير المجلة إلى تحديات العنف والميليشيات المسلحة التي رفضت الاندماج في الأجهزة العسكرية والأمنية، وتواصل الاشتباكات في المناطق الجنوبية، لذا تخلص المجلة إلى أن مهمة المؤتمر التأسيسي الذي سيتشكل من 200 عضو لن تكون سهلة.
سوريا وانتقال السلطة
كتب الصحفي الفرنسي، quot;فينسو جيريquot;، يوم الجمعة الماضي في صحيفة quot;ليبراسيونquot; مقالاً يستعرض فيه الأزمة السورية بعد الاجتماع الذي استضافته باريس لمجموعة الدول الصديقة للشعب السوري، مشيراً إلى مجموعة من المعطيات، أولاً أن الليل السوري مهما طال سينتهي بخروج النظام من السلطة، فقد كان واضحاً خلال الاجتماع الذي رعته فرنسا أن أغلب الدول المعنية بالأزمة مجمعة على مرحلة انتقالية تشارك فيها أطراف من السلطة والمعارضة، لكن دون بقاء بشار الأسد والدائرة المحيطة به في السلطة، فأي انتقال سلس وناجح للسلطة في سوريا يوقف شلال الدم لا يمكن التعامل معه إلا من منظور مغادرة بشار للحكم، والأمر هنا، يقول الكاتب، لا يعتمد فقط على الضغوط الدولية التي تدفع في هذا الاتجاه، بل حتى المعطيات الميدانية تنبئ به، فقد فشل النظام رغم آلته العسكرية في بسط كامل سيطرته على مناطق البلاد، وحتى البلدات والمناطق التي دخلها لسحق الانتفاضة فيها والقضاء على الجيش السوري الحر أخفق في الاحتفاظ بها لفترة طويلة، هذا في الوقت الذي تمكن فيه الجيش السوري الحر من تحقيق بعض التوازن مع الجيش النظامي وقطع أي أمل للنظام في تحقيق انتصار كاسح، بحيث استفاد الجيش السوري الحر الذي تشكل أساساً من المدنيين من تساهل تركيا التي تغض الطرف عن تهريب السلاح عبر حدودها وتسمح للمتمردين بهامش مهم من المناورة، هذا الواقع الجديد المتمثل في صعوبة استئصال التمرد هو ما دفع بعض كبار الضباط إلى الانشقاق بعدما أدركوا صعوبة العودة إلى الوراء، بل استحالتها، ويرى الكاتب أن ما يبقى هو انضمام روسيا لهذا الجهد الدولي الساعي إلى إخراج الأسد من السلطة، وهو ما بدأت بوادره تلوح في الأفق بعد الإشارات الروسية المواربة من احتمال التخلي عن رأس النظام مع الحفاظ على رجالها في مواقع السلطة حماية للمصالح الروسية في المرحلة المقبلة.
الصداقة الفرنسية الألمانية
في افتتاحيتها ليوم الجمعة الماضي تناولت صحيفة quot;لو فيجاروquot; تاريخ العلاقات الألمانية الفرنسية التي اتسمت بعلاقات وطيدة وصداقة متينة جمعت زعماء البلدين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً منذ اللقاء الشهير الذي جمع الرئيس الفرنسي، ديجول، والمستشار الألماني كونراد إدناور، قبل خمسين عاماً، واليوم تحل الذكرى الخمسين لهذا الاجتماع المهم الذي دشن، حسب الصحيفة، تاريخاً من الصداقة بين البلدين استطاعت رغم الخلافات وتمايز المواقف السياسية، تشكيل لبنة صلبة لإطلاق الاتحاد الأوروبي، فمن دون التفاهم الألماني الفرنسي والاتفاق على أجندة سياسية واقتصادية مشتركة ما كان للمشروع الأوروبي أن يرى النور. لكن الصحيفة أيضاً تشير إلى الخلافات التي طفت على السطح في الفترة الأخيرة بين الرئيس هولاند والمستشارة ميركل، هذا الخلاف برز بشكل واضح في اجتماع بروكسل الأخير لبحث أزمة الديون الأوروبية، حيث دخل هولاند في صراع مع ألمانيا حول سبل معالجة الأزمة، مفضلاً الانحياز إلى مواقف دول الجنوب الأوروبي مثل إيطاليا وإسبانيا والحث على تغليب النمو على القواعد الألمانية الصارمة، فيما كان رأي ميركل واضحاً بالتشديد على مواصلة الإصلاحات ورفض تدخل للبنك المركزي الأوروبي، غير أن هذه الاختلافات لا ترقى إلى مشكلة حقيقية في العلاقات التقليدية بين ألمانيا وفرنسا، بل إن الصحيفة تشير إلى تاريخ من الشك موجود دائماً في العلاقات الثانية بين قادة البلدين سرعان ما يختفى تحت ضغوط الواقع الموضوعي الذي يحتم على البلدين التعاون لإنجاح المشروع الأوروبي، لا سيما في ظل ظروف الأزمة الحالية التي تعيشها أوروبا.
إعداد: زهير الكساب
التعليقات