القمة تنعقد.. أم تتأجل؟!

يوسف الكويليت
الرياض
نتمنى أن يعود الدفء للعلاقات العربية مع العراق، وأن تنجح القمة العربية هناك بدون معوقات أو خلافات على جدول الأعمال، لكن ما هو مخيف أن التفجيرات الأخيرة أياً كان مصدرها، هزت الثقة بالأمن العراقي، ونعرف أن أطرافاً عديدة لا تريد لهذه القمة أن تعقد، وخاصة تبني موضوع سوريا على رأس الموضوعات الأساسية الملحة..
في الداخل العراقي يجري جدل بين المالكي وعلاوي على ضوء خلافات على استراتيجية عمل الحكومة واحتكار السلطة وإبعاد عناصر أخرى، مما تسبب في تصاعد التصريحات التي تذهب إلى إدانة كل طرف للآخر، وعلى نفس الخط دخل البرزاني الزعيم الكردي بتصريحات وصلت إلى اتهام المالكي بالدكتاتورية، وكشأن داخلي ليس للقمة فيه أي غاية، إلا أن وحدة الرأي الداخلي مهمة جداً، لأن عزل قوى فاعلة سيخلق أزمة حضور بالتمثيل العراقي، وقد يضعف مستوى العمل في داخل القمة.
هناك أمر آخر ربما يفضل العراقيون عدم طرحه على القمة، وهو الشأن السوري لأن العراق واقع بين ضغط إيران الواضح، والتي لديها رؤية سلبية عن أي تجمع عربي، وهناك من يجامل الدبلوماسية السورية بأن لا يكون العراق مع الرأي العام العربي الذي يريد وقف القتل وتنفيذ مشروع الجامعة العربية كحل توافقي يبعد سوريا عن مأزق الحرب الأهلية والتمزق إذا ما أصبحت ساحة تجاذب بين قوى مختلفة، لكن نعرف عادة أن الدولة المضيفة ليست من يقرر طرح الموضوعات أو إيقافها، لأن هذا شأن الجامعة المسؤولة عن جدول الأعمال.
التمثيل قد لا يكون بالمستوى الأعلى بحيث تستضيف بغداد كل الزعماء ولو وصل الحضور إلى سبعين في المائة، فهو جيد، لكن هواجس الأمن ستكون العائق الأكبر، وما لم تتوفر حماية كبيرة، فقد تطرأ مشكلة تؤدي إما إلى تأجيل القمة لوقت آخر، أو إلغائها، وكلا الأمرين سيئ، لأن عودة العراق لمحيطه العربي، أمر مرحب به في كل العواصم.
صحيح أن العراق لايزال يدفع ثمن الاحتلال، وتشرذم فئاته الدينية والقومية والعشائرية، وصحيح أن الخلافات التي عصفت بين ائتلاف دولة القانون، وائتلاف العراقية، وجعل الريبة والشك واستعمال بقايا البعث وروح صدام حسين والقاعدة أدى إلى خلق أجواء طائفية يعلن بعضها صراحة اقصاء أخرى، مما يهدد وحدة الوطن الذي لم يبق منه بعيداً عن التسخين الذي يصل إلى التفجير والتصفيات والسجون إلا الإقليم الكردي.
في العراق تبرز أصوات تحالفات، وتقسيمات اقليمية، ويصبح بعشرات الصحف ومحطات الفضاء، وبعضها أصبح مديناً لسوق الإعلام الذي يدفع أسوة بما حدث في لبنان، وهو لا يخدم واقع العراق الذي يمر بحالة معقدة تبعاً لتراكم سنوات الانقلابات والحروب، ثم مأساة التقسيمات العرقية والطائفية.
أن تنجح القمة في العراق، نجاح لكل العرب، وشلها مضر بالجميع، ولذلك لا بد من وقفة ايجابية، داخلية عراقية بتسوية الخصومات، وعربية بدعم توجه العراق الجديد، لأن عزله ليس منطقياً حتى لو اختلفت التوجهات والآراء، طالما التاريخ ثري بإيجاد المنافذ نحو عصر جديد، بعمل وعقل جديدين.
خواطر وتساؤلات حول قيمة بغداد العربية
هانى خلاف
الاهرام
يعتبر العراق في تقديري الرقم الأصعب في مجمل المعادلات السياسية والاستراتيجية التي شهدتها وما تزال تشهدها منطقتنا العربية والشرق اوسطية خلال السنوات الاولي من القرن الحادي والعشرين.
فالعراق هو الحالة الاولي التي تم فيها تجريب التغيير السياسي الجذري منذ عام2003 باسقاط النظام الشمولي السابق واجتثاث رموزه وأركانه, وتم فيها فتح الباب لتعددية سياسية واسعة ولطموحات فئوية وطائفية وجهوية, وظهرت فيها حصائل التغيير النافعة وأعطاله وأخطاؤه, وهو ما تشهده الآن ـ بدرجات متفاوته ـ بلاد عربية اخري طالتها رياح التغيير منذ بدايات عام2011 ـ دون ان تتعظ بالخبرة العراقية.
والعراق من ناحية اخري يقع في منطقة جوار لصيق مع أكبر قوتين اقليميتين, لكل منهما تاريخ صراعي وتنافسي طويل مع الامة العربية, ولهما ايضا تطلعات واضحة
للقيام بأدوار جديدة في منطقة الشرق الاوسط. وإلي جانب ذالك فإن حدود العراق المشتركة مع أطراف عربية اخري تجعل منه منبعا ومصبا في نفس الوقت لكل انواع التناقل الحميد والخبيث عبر تلك الحدود.
والعراق ـ ثالثا ـ يمتلك من القدرات الاقتصادية والبشرية ما يستطيع به أن يسهم في حل كثير من مشكلات الغذاء والمياه والطاقة والبطالة في بلادنا العربية والاسلامية, لكنه مكبل بالعديد من القيود والالتزامات التي فرضت عليه بفعل ميراث النظام السابق وبتأثير من علاقته الاستراتيجية المستجدة مع بعض القوي الكبري.
وحين تقرر عقد القمة العربية في بغداد بعد عامين من التردد والمماطلة.. تزاحمت
في ذهني عدة تساؤلات يتعلق اولها بما يمكن ان يقدمه العراق إلي هذه القمة من مادة جديدة وأسلوب جديد في ادارة العمل العربي المشترك. ورحت أتخيل عناصر لمشروع الرئيس العراقي في جلسة الافتتاح يعرض فيها علي اخوانه الملوك والرؤساء
الجدد والقدامي ملامح التجربة العراقية في التغيير ـ بما لها وما عليها, وينقل فيها نصائحه الي بلدان الربيع العربي بما يلزم من خطوات وإجراءات تحقق لهم التغيير الديمقراطي المنشود بأقل خسائر ممكنة. ورحت أتخيل السيد جلال طلباني وهو يعرض استعداد بلاده للقيام بدور مبتكر في تسوية الازمة السورية المتفاقمة, وفي التهيئة لاقامة حوار عربي ايراني يستهدف تخفيف الاحتقان وازالة أسباب المخاوف في العلاقات, وخاصة مع دول الخليج. وتخيلته ايضا وهو يعرض علي القمة منهجية مقترحة لادارة العلاقات الاثنية والثقافية والطائفية داخل فرادي البلدان العربية, واشتعل خيالي جموحا نحو آلية عربية جديدة تنشأ في إطار الجامعة العربية لمتابعة تنفيذ هذه المنهجية المقترحة ورصد مايستجد من بؤر قابلة للانفجار في اي موقع عربي رصدا مبكرا.
واستوقفتني بعد ذلك تساؤلات اخري تبدو متناقضة مع واعدية التصورات الاولي: تري هل فرغ العراق من مشكلاته الداخلية والخارجية الملحة وأصبح قادرا علي نصح الآخرين وقيادة مسيرة العمل العربي المشترك واستحقاقاتها المنتظرة خلال عام رئاسته للقمة؟ وهل يعني تنحية البند السنوي المتكرر والخاص( بتطورات الأوضاع في العراق) من جدول أعمال قمة بغداد أن العراق لم يعد بحاجة الي مساندة او نصيحة من إخوانه العرب؟ وهل اصبح الجيش العراقي بعد خروج القوات الأمريكية قادرا علي تأمين حدوده وأرضه وسمائه ومياهه من تسلل الارهابيين ومن بعض الاختراقات التي تحدث بين حين وآخر لحدوده الشمالية؟ وكيف يستطيع العراق في ظل ارتباطاته الاستراتيجية الجديدة ـ وفي ضوء موجات التشدد الشعبي التي تشهدها بلدان الربيع العربي ان يتصدي بالجرأة الكافية لممارسات إسرائيل العدوانية في غزة والضفة والقدس, وان يقود تحرك الجامعة العربية خلال العام المقبل من أجل تحرير الاراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية؟
ورغم المسافة غير الهينة بين التصورات الاولي والتساؤلات الاخيرة الا ان الدبلوماسية العراقية الجديدة التي تعكس حضارة التنوع وتنوع الثقافة يمكنها بإذن الله تجسير هذه الفجوة في اثناء القمة وبعدها, ليس باصتناع صورة وردية غير حقيقية للعراق وامكانياته, وانما باستخدام اسلوب المكاشفة والمصارحة والمنهجية البراجماتية التي تميز بين الواقع والممكن والمستحيل. ولذلك فقد تكون قمة بغداد المقبلة والظروف غير العادية التي تنعقد في ظلها بداية لمرحلة نوعية جديدة من العمل العربي المشترك.
رئيس بعثة الجامعة العربية في العراق( سابقا)
فايز سارة
القمة العربية وأزمة سوريا
الشرق الاوسط
بينما يستعد القادة للاجتماع في القمة العربية المقررة ببغداد خلال الأيام القليلة القادمة، تتواصل أحداث الأزمة العاصفة في سوريا، الأمر الذي سيطرح على القمة العربية تحدي الإجابة عن أسئلة الأزمة والأفق الذي سوف يرسمه القادة العرب لشكل تعاملهم ودولهم مع الأزمة السورية، ليس فقط باعتبار سوريا بلدا وشعبا شقيقا لبلادهم وشعوبهم فحسب، بل باعتبارها جارا هو على تماس جغرافي وسياسي وبشري، سوف تنعكس تطوراته السلبية والإيجابية على بلادهم وشعوبهم بصورة مباشرة وغير مباشرة، رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا.
غير أن موقف القادة العرب عبر قمة بغداد المرتقبة لن يكون جديدا كل الجدة، وإنما سوف يستند إلى معطيات سبق أن تكرست في غضون العام الماضي من عمر الثورة وأحداثها، وهي معطيات سارت متعرجة في تصاعد بطيء، لكنها لم تستطع الوصول إلى مستوى التأثير الحاسم والمسؤول ومعالجة الوضع بما يؤدي إلى إخراج سوريا والمنطقة من تداعيات واحتمالات الأزمة، التي يمكن القول إن أهم ما في محتوياتها أمرين:
الأول أن أزمة سوريا ليست مشكلة أو قضية أمنية، وهو أمر حاولت السلطات السورية ولا تزال تأكيده، باعتبار ما يحدث عمل عصابات مسلحة وإرهابية، وأن ثمة مؤامرة على البلاد والنظام من قبل قوى خارجية، بدل التعامل مع الأزمة باعتبارها أزمة سياسية اقتصادية واجتماعية وثقافية، ينبغي أن تعالج على هذا الأساس، وأن يتم حلها على أساس سياسي لا من خلال حل أمني - عسكري دموي على نحو ما جرى ويجري.
والأمر الثاني هو أن الأزمة التي بدأت داخلية في البداية على اعتبارها صراعا بين النظام ومحتجين متظاهرين لهم مطالب، انتقلت لتصير أزمة إقليمية، عندما دخلت دول الإقليم في تفاعلاتها، واصطف بعضها في مواجهة البعض الآخر مستندا إلى موقفه من الأحداث وتطوراتها، ثم تكرر الأمر في المستوى الدولي بحيث صارت أزمة سوريا أزمة دولية، تتشارك التأثير عليها وعلى تطوراتها هيئات وتحالفات ودول كبرى وإقليمية في آن معا.
ويبدو أن الموقف العربي العام قد تأخر في إدراك هذين المحتويين للأزمة، مما جعل الموقف الرسمي العربي من الأحداث السورية ضعيفا في الفترة الأولى، وبرز شبه تجاهل لمجريات الوضع السوري في تلك الفترة على مستوى الجامعة العربية، كما في مستوى أغلب القادة والحكومات العربية، وقد يكون بين المبررات أن ثورات الربيع في البلدان الأخرى جسدت انشغالات للعرب أهم مما يجري في سوريا، أو بسبب اعتقاد بعضهم أن النظام في سوريا سوف يخرج من موجة الاحتجاج والتظاهر بسرعة كبيرة، ويستعيد زمام السيطرة بالقوة التي يملكها، وربما كان البعض أكثر حذرا في إعلان موقفه خوفا مما يترتب على إعلان مؤازرة الحراك الشعبي السوري في مواجهة النظام. غير أن هذه الدواعي أخذت تسقط مع استمرار ثورة السوريين وتصاعدها في مواجهة عنف الحل الأمني - العسكري، فأخذت تتغير وتتسع ملامح الموقف العربي في مستوى القادة والدول وصولا إلى مبادرة الجامعة العربية، وتاليا خطة العمل العربية، باعتبارهما الموقف العربي المشترك. وقد اضطر النظام إلى التعامل معهما ولو بصورة مواربة على أمل إلحاق الفشل بهما بصورة غير مباشرة مستغلا ما يبدو أنه انشقاق أو ضعف في الموقف الرسمي العام، يتقارب مع ما هو قائم في الموقف الدولي العام إزاء الوضع في سوريا وتطوراته.
غير أنه وفي ظل التطورات التي تطرحها الأزمة في سوريا مع استمرار وتصاعد الإجراءات الأمنية - العسكرية وتأثيرات نتائجها المرتقبة على الداخل والجوار، والتي من أبرزها احتمال توسيع العنف والقتال ليشمل مختلف المناطق السورية، فإن ذلك سيدفع إلى نزوح كبير إلى الجوار، وقد يسهم في دخول جماعات عرقية أو طائفية أو عشائرية إلى الدول المحيطة لنصرة امتداداتها السورية، وقد يتطور الأمر إلى حرب إقليمية، تصعب السيطرة عليها، وقد تؤدي التطورات إلى تدخل عسكري واسع، والأمر في كل الأحوال قد يدفع إلى تطورات من الصعب السيطرة عليها، وتعقيدات يصعب علاجها.
وحيث إن الوضع على هذا النحو من الخطورة، فقد تكون القمة العربية مناسبة تاريخية لقيام القادة العرب بدور فعال في معالجة الأزمة السورية، ليس فقط من خلال توافقهم على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة وهذا أمر مهم، بل من خلال تأكيد وحدتهم وراء هذا الهدف وجديتهم العالية في التعامل مع الأزمة ودفعهم ليس النظام فحسب للاستجابة إلى حل، بل توظيف قوتهم ونفوذهم وعلاقاتهم في المستوى الدولي في نقل الملف السوري من دائرة الصراعات الدولية والإقليمية إلى دائرة تشارك الجميع في البحث عن حل للأزمة في سوريا.وإذا كان من الصحيح أن علينا ألا نحمل القمة العربية أعباء مهمة كبيرة وخطيرة، بسبب هشاشة هذه المؤسسة وضعفها، فإنه يمكن القول إن بعضا من الدول العربية المشاركة، إذا قررت الذهاب الجدي نحو هكذا مهمة، فهذا سيساعد القمة على تحقيق نجاح على هذا الطريق، إضافة إلى أن تطورا كهذا سوف يقوي ويعزز هذه المؤسسة، التي جرت محاولات مكررة في السنوات العشر الماضية لتقويتها في إطار تقوية العمل العربي المشترك.