محمد المختار الفال

يتطلع المسلمون إلى نتائج القمة الطارئة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين لتنعقد بمكة المكرمة في السادس والعشرين والسابع والعشرين من هذا الشهر لمواجهة حال الاضطرابات والقلاقل والتوترات التي تشهدها الساحة الإسلامية


يبدو أن المنظمات والهيئات الإقليمية التي تنشأ من quot;رحم الأزماتquot; تبقى أسيرة لتلك الروح فتسيطر عليها ردود الأفعال الآنية والانشغال quot;بإطفاء الحرائقquot; والاهتمام بمعالجة نتائجها، فيستغرق ذلك طاقتها ويوجه سياساتها. وتجربة العمل المشترك بين المجموعة الإسلامية، في عدد من المجالات، اتسمت بهذه الصفة، لأنها ولدت في مناخ الأزمات ولم تنجح في التحرر من مزاجها ومؤثراتها، لعشرات السنين، فأهدرت جهودها وأفقدتها القدرة على تجاوز تداعيات الأزمة. ومنظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي) هي الجهة التي تحملت مسؤولية تفعيل هذا المشروع الكبير، وحققت بعض الإنجازات لكنها، بكل صراحة، لم تستطع، حتى الآن، أن تحقق quot;غاية التعاونquot; بين المجموعة في التنمية والأمن والتقارب الثقافي وإزالة أسباب التنافر، لكن هل quot;الإخفاقquot; تتحمله المنظمة، على تفاوت مراحلها واختلاف رؤية أمنائها، أم إن دول المجموعة هي المسؤولة عما تحقق؟
من الإنصاف الإشارة إلى أن المنظمة بقيادة أمينها الحالي الدكتور أكمل الدين أوغلو لديها رؤية للخروج بالعمل الإسلامي من نظرية الأزمات إلى فلسفة التعاون. وقد اعتمدت هذه الرؤية في ميثاقها الجديد الذي يؤسس العمل المشترك على قاعدة quot;الاعتدال والتحديثquot; بهدف ترسخ مفهوم الحوار وتبادل الافكار حول القيم الإنسانية القادرة على استيعاب أحوال كل أعضائها، والدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز مفهوم الحكم الرشيد الذي يحترم الشعوب ويصون كرامتها ويحفظ حقوقها، مع العناية بتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في العمل السياسي والدفاع عن سيادة القانون، ومساندة برامج النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد، إلى جانب العناية بتطوير التعليم وإشاعة المعرفة والدعوة إلى العيش في العصر بكل معطياته دون التخلي عن القيم الفاضلة. لكن كل هذه quot;الإنجازاتquot; على صعيد تغيير المفاهيم وتجديد الميثاق وبناء الرؤية المستقبلية تبقى غير ذات جدوى إذا لم تبادر الدول الأعضاء إلى تفعيلها. وقد تنبهت المنظمة إلى هذه الحقيقة فقدرت الدور الكبير الذي تلعبه المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وهي تعمل لاستثمار هذا الجهد، فالمملكة لها ثقلها الاقتصادي ووزنها السياسي وتأثيرها الروحي في الدائرة الإسلامية والمحيط العربي، ولها السبق، بسياساتها المبنية على quot;فلسفة التعاونquot; في دعم مشاريع التنمية بجميع الدول الإسلامية من خلال المؤسسات الدولية والإقليمية. وكانت القمة الاستثنائية الثالثة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ndash; حفظه الله ndash; في مكة المكرمة ( ديسمبر 2005م ) نقطة فارقة في رحلة العمل الإسلامي المشترك، إذ وضعت هذه القمة خطة عشرية لإحداث تغييرات جذرية ومفصلية في العلاقات بين المجموعة الإسلامية، وتجاوزت quot;روحانيةquot; التضامن الإسلامي ndash; رغم أهميتها ndash; إلى تصور يحقق quot;التعاون العمليquot; الذي تنعكس آثاره على الشعوب في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية، والعمل على خلق روح جديدة تشعر الجميع بأهميتهم ودورهم كأعضاء في هذه المنظمة.
وفي هذه الأيام يتطلع المسلمون إلى نتائج القمة الطارئة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتنعقد بمكة المكرمة في السادس والعشرين والسابع والعشرين من هذا الشهر لمواجهة حال الاضطرابات والقلاقل والتوترات التي تشهدها الساحة الإسلامية.
والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تتصدى فيها المملكة وقيادتها لكوارث العالم الإسلامي والعمل على معالجتها، شعوراً منها بالواجب ونهوضاً بمسؤوليتها وأداء لدورها. ولعل رمزية المكان وفضل الزمان ومكانة الداعي سيكون لها الأثر على قرارات هذه القمة التي تنعقد وخارطة العالم الإسلامي تعلوها المشكلات والتوترات والحروب والشكوك، وتعرض شعوباً للفناء. فالقمة تنعقد في أجواء مقلقة من تنامي quot;الاستقطابquot; السني الشيعي المهدد لمفهوم وأهدافquot;التضامن الإسلاميquot;، الذي نجح في الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات والروابط في الأزمات، وquot;مزاج التغييرquot; في المنطقة العربية بعد عقود من الأخطاء المتراكمة في التنمية وانسداد الأفق السياسي وفساد التعليم والتضييق على الحريات العامة وتراجع حقوق الإنسان، مع استغلال التنافس الدولي لحال المجموعة الإسلامية المتردي لتوطيد وترسيخ مصالحه الخاصة القائمة ndash; في جزء منها ndash; على تقسيم المقسم وتوسيع الخلافات في ظل تراجع المشاريع الاقتصادية المشتركة، مما زاد من روح الانكفاء على الدوائر الضيقة. وتسهم quot;الدعايةquot; الإعلامية في زيادة مناخ التوتر وزرع الشكوك من خلال تهويل مخاطر صعود quot;تيار الأسلمةquot; مع موجة التغيير العربي، والتشكيك في موقف دول الاستقرار وإظهارها quot;معاديةquot; لهذا الحراك المتفق مع رغبة الشعوب. وquot;الإعلام الدعائيquot; ـ بهذه الرؤية القاصرة ndash; يرتكب أخطاء فادحة في حق الأوطان ومستقبل الشعوب حين يضخم quot;التنافرquot; ويتجاهل أو يخفي محاور الالتقاء.
هذه الصورة quot;المقلقةquot; التي ينعقد في أجوائها مؤتمر القمة الإسلامي تزيد من آمال الشعوب وتدفع لطرح تساؤلات مشروعة لا تهدف إلى quot;التأييسquot; بقدر ما تسعي لتحديد الخطوط ووضع القيادات أمام مسؤولياتهم التاريخية حين يتصدون إلى مصائر الشعوب.. لا بد من القول إنها ليست المرة الأولى التي يتنادى فيها الزعماء إلى قمة طارئة لمواجهة الأزمات، وليست المرة الأولى أيضاً التي تتطلع الشعوب إلى قادتها في لحظات مصيرية بحثاً عن مخرج وخلاص من الأزمات، لكن قمة اليوم مختلفة، حيث تعيش المنطقة منعطفاً خطيراً زادت فيه حدة quot;الاستقطابquot; إلى درجة quot;الانفصالquot;، فالأزمة السورية بكل تداعياتها المحلية والإقليمية والدولية جعلت مفهوم quot;التضامنquot; وquot;الأمة الواحدةquot; على المحك، فإما أن تتغلب القيم الأصيلة والمصالح الكبرى وتنجح القمة في الوقوف مع العدل والإنصاف، وتزيل عن الشعب السوري هذا quot;الكابوسquot; وتوقف آلة الدمار وتطلق الحريات وتفتح الآفاق أمام هذا الشعب المغلوب على أمره لاختيار قيادته وإخراج وطنه من حال الدمار، وإما أن تزيد القمة من حال quot;الافتراقquot; وحينها ستزداد الأمور تعقيداً.
اليوم تنعقد القمة، فماذا سيقدم القادة لشعوبهم؟ المملكة أدت دورها وبادرت باستضافة المؤتمر، شعوراً بفداحة الظرف وما قد ينتج عنه من مخاطر، فهل ستقف quot;المطامعquot; الصغيرة في مصير المخاطر الإستراتيجية؟