دمتري شومسكي
يحسن احيانا كي نفهم البواعث العميقة في سياسة قوة كبيرة من القوى العظمى لقضية ما ان نفحص عن التصورات في تلك القضية بين أبناء جاليتها الثقافية في أنحاء العالم. لأنه اذا وجدنا ان تصورات هذه القوة العظمى قد بقيت سنين طويلة بعيدا عن الدولة الأم ففي ذلك ما يشهد بمبلغ عمق رسوخ هذه التصورات في طرق تفكير هذه القوة من القوى العظمى.
لماذا في الحقيقة لا يساعد العالم بشار الاسد على قمع الهبة الشعبية عليه، سأل متصفح اسرائيلي روسي في الفترة الاخيرة. أوليس الحديث عن انسان مثقف، وعن طبيب اختص في لندن. أوليس واضحا للعالم ان السوريين لن يحظوا بزعيم أفضل منه؟.
ان هذه التساؤلات التي حظيت بعطف أصحاب الردود تهيىء لنا نظرا الى الخلفية العميقة لسياسة التأييد العنيد لروسيا لنظام الاسد القاتل. فالادارة الروسية وكثيرون في الرأي العام الروسي مثل الادارة السوفييتية في الماضي يؤمنون حقا وبلا شك في ان نظاما كنظام الاسد هو أفضل ما يمكن ان يأملوا به في 'الشرق' العربي بعامة وفي سوريا بخاصة، فضلا عن مصالح جغرافية سياسية مباشرة والالتزام بحلف طويل مع سوريا من فترة الحرب الباردة.
ان الاستكبار الاستشراقي الذي يرى أن 'الشرق' بسبب اجتماع 'الدونية' و'الوحشية' الراسختين فيه بصورة جوهرية، يحتاج لمصلحته الى توجيه من جهة حاكمة قوية متشددة، لم يكن وليس هو مميزا للاتحاد السوفييتي ووريثته الرئيسية. فقد كان هذا الرأي يميز الاستعمار الغربي وما زال يميز دوائر لا يستهان بها في العالم الغربي.
لكن في الحالة السوفييتية الروسية وجدت شروط تصورية مميزة تجعل من الصعب الى اليوم تحدي هذه الفكرة. لأن التمسك بالاستكبار الاستشراقي على الشرق الاوسط والعالم الثالث يسكن عالم المفاهيم السوفييتي مع القناعة العميقة بأن الاتحاد السوفييتي هو القوة المعادية للاستعمار الرئيسة في العالم، وبازاء ذلك، وبهدي من التناقضات بين الخطابة المستنيرة والأداء الظلامي اللذين ميزا الامبراطورية السوفييتية، عُرض توجه القمع الاستشراقي، مثل رعاية كوادر مثقفة لتعزيز سلطة العلويين في سوريا، على أنه تأييد للتحرر الوطني المأمول للشعب السوري.
وهكذا ما يزال كثيرون في روسيا ما بعد السوفييتية وجالياتها الثقافية في العالم على يقين بسبب استعمال طويل وعنيد لمصطلح 'التحرر' لتمثيل واقع القمع، من ان نظام سوريا ولا سيما حاكمها المثقف هما ذروة أشواق الشعب السوري.
والى ذلك وفي حالة روسيا فان التصور الذي يقول ان جموع الشعب تحتاج الى سلطة قوية متشددة لا ينحصر في توجهها نحو سوريا بل يساوق صورة تصور الادارة الروسية لما يناسب الشعب الروسي نفسه. ان هذه الحلقات ومؤيديها غير القليلين يرون ان نظام بوتين هو بالضبط ما يريده المواطن الروسي العادي الذي يتمنى توجيها ملاصقا.
والأنباء السيئة هي ان مقدارا كبيرا من هذا التصور لماهية 'مصلحة الشعب' قد استورد من الفضاء ما بعد السوفييتي الى اسرائيل في العشرين سنة الاخيرة. ان التساؤلات عن العالم الغربي الذي لا يفهم ان الاسد جيد للسوريين تثور في الخطاب الروسي الاسرائيلي مع التساؤلات المتعلقة بما يُرى فيه انه 'مقدار مبالغ فيه' من حرية الرأي والتسامح في المجتمع الاسرائيلي. ويجوز لنا ان نقول انه في اسرائيل الكلية مع الاتجاهات المتركزة حول العِرق والتدين القومي التي تقوى فيها، توجد ايضا تعبيرات من انتاج محلي عن الامتعاض من الطريقة الديمقراطية، لكن لا شك مهما كان من الصعب الاعتراف بذلك في ان الاتجاه الى اضعاف القيم الديمقراطية الذي طرأ على اسرائيل في العقود الاخيرة يستمد قوته بقدر كبير من التصورات المستوردة من الاتحاد السوفييتي السابق كتلك التي تعطف على مصير الحاكم السوري.
هآرتس
التعليقات