حياة الحويك عطية
العنوان مهم وجذاب ، وهل اهم من مناقشة مآل الوحدة العربية بعد التطورات التي اصابت العالم العربي ؟ وهل افضل من ذلك موضوعا لبرنامج حواري تلفزيوني ؟
يشدنا الاعلان عنه في احدى القنوات الفضائية وننتظر الموعد ، لتكون المفاجأة التي ربما جسدت وحدها ( من دون الحاجة الى مضمون الحوار ) حال الامة ، وفق المصطلح الذي يحبه الرؤساء الامريكيون.
بدءا من الاستوديو والفورما وصولا الى الحوار ومرورا بالمذيعة المقدمة. فشكل الاستوديو وفورما البرنامج هما بامتياز الشكل المعروف لبرامج الالعاب الترفيهية والمنوعات : طاولتان متقابلاتان على شكل سبعة وبينهما المذيعة ، وعلى كل منهما ( فريق ndash; هكذا تسميه المذيعة ) فريق مع القومية او الوحدة وفريق ضدها ، وعلى الجمهور ان يصوت قبل المناظرة ( هكذا ايضا تسميها) وبعدها ( لنتبين ايا من الفريقين استطاع ان يكسب اصواتا اضافية ويكرس فائزا في المباراة ) . والانكى ان الاضاءة ( السيئة جدا ) تركز في البداية والنهاية على نقطة وسط المسرح وعلى المتحدثين ان يقفوا فيها ، او يتمشوا ليلقي علينا كل منهم خطابا حول القومية العربية ، لا يتعدى الفخر او عدمه ويسقط مع احد المشتركين في اطالة لا تقول شيئا الا مرجعيته الامريكية ndash; الكندية . اما المذيعة فممتازة لبرنامج منوعات من مثل تلك التي تقدمها دبي او ال بي سي ، ولكن ndash; اعذرونا ndash; ليس لبرنامج فكري ndash; سياسي ، هو الاكثر جدية وعمقا ومساسا بتحديد الهوية والمستقبل لمئات ملايين البشر. اما المضمون ، فخلط غريب في المفاهيم ، لا يميز بين القومية والعنصرية ولا يعرف قراءة التاريخ ولا الحاضر ولا المستقبل، ولا يستند الى معطيات علمية من تلك الاساسية في علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد والثقافة والحضارة والسياسة ، ما يستلزمه حوار كهذا . ولنعط مثالا : المثال الاول ، ان ايا من المتحدثين لم يذكر ولو عرضا عنصر الارض في تكوين الامة وكأن العرب يعيشون على باراشوت او في سلة معلقة في الفضاء ، رغم ان خلفية الاستوديو كانت خريطة العالم العربي.
وبالمقابل كان التركيز على اللغة والدين ، وهما ( حسب علم الاجتماع ) عاملا كيان لا عاملا تكوين، بمعنى ان الشعب عبر تفاعله مع ارضه وعبر تاريخه ينحت لغته ويتبنى دينه او اديانه ، وبما ان الخطأ على الخطأ يبني رأيا، الضيف يقول: ان الوحدة العربية ستكون خطوة على طريق الوحدة الاسلامية (ولم نفهم ماذا سيفعل عندها بملايين المسلمين من اوروبيين وروس وصينيين وامريكيين وغيرهم ) هذا في حين يصر على استعمال مصطلح الاشقاء المسيحيين والشقيق مصطلح قبلي لا علاقة له بالمواطنة ووحدتها ، ورحم الله الامام محمد حسين فضل الله ، اذ زاره مرجع ديني مسيحي وحدثه عن التعايش فرد عليه : ارجوك ، لا تعايش في الوطن بل مواطنة توحد الجميع ، التعايش يكون مع الآخر في أو الجار . في اطار متعلق يندرج المثال الثاني اي اصرار الجميع على مصطلح الاقليات في ببغاءة تكرر ما يقوله الغرب لضرب اي فكر قومي واي مفهوم للمواطنة ، فهل سمعنا مثلا من يتحدث عن اقلية بروتون او غولو او بروتستانت في فرنسا ، ام عن فرنسا الفرنسيين بأل التعريف وحسب ؟ وحتى عندما يتم التناول العلمي لمصطلح الاقليات فانما يقصد به اقلية وافدة على المجتمع لم تندمج بعد او اقلية تمثل طريقة ما غير معتمدة بعد ، في حين ان من ينعتون بالاقليات في العالم العربي هم اصل البلاد واهلها قبل الاسلام وبعده وهم الذين حملوا رايته . المثال الثالث : اصرار الجميع ( المع والضد ) على الحديث عن القوميات الغربية التي سببت الحربين العالميتين وكانها المعنى الوحيد للقومية ، من دون اي ادراك بان مفهوم القومية القائمة على العرق او الدين هو مفهوم تخطته الحضارة الانسانية منذ نهاية الحرب الثانية واستقر مصطلح القومية او الوطنية الحديثة على ما يسميه بعض المفكرين الاوروبيين quot; القومية المركبةquot; اي تلك التي توحد الاعراق والاديان داخل الامة الواحدة في اطار مفهومين مقدسين: الدولة والمواطن ، فبحقوق الدولة وسيادتها وحقوق المواطن وحرياته التي تستحق للفرد لمجرد كونه مواطنا فحسب، تستقيم الامم المعاصرة ، الحديثة ، وتستقر المجتمعات، وتقوم الديمقراطية الحقيقية. وكل ما عدا ذلك هراء في هراء وتخلف في تخلف لا تعدو الثورات في ظله ان تستبدل طاغية بآخر وتخلفا بتخلف أشد . وهنا يبدو ما سيق من كلام عن ان الثورات العربية ستؤدي الى الوحدة ، وان الديكتاتوريات السابقة هي من حال دونها ، كلاما غريبا لسببين : الاول مبدئي وهو ان ايا من الانظمة الجديدة لم يدع القومية ولم يذكر العروبة ، وعليه راحت كل مراكز الدراسات الغربية تعمل على نقطة التحول هذه ( وبقناعتنا انها لن تدوم) والثاني عملي وهو ان من كرر هذه الفكرة طوال الامسية هو من قامت صحيفته بدعم من الانظمة التي عناها : من معمر القذافي الى ياسر عرفات الى صدام حسين قبل ان تصل الى بن لادن وقطر ( ربما حقق الاخيران الوحدة العربية )
الغريب ان الجمهور كان يصفق ، ويصوت ، وكانه يعطينا بروفة ايضاحية لما اصابنا من بلبلة فكرية وصلت الحضيض وربما ايضا لما يحصل في الحملات الانتخابية ، ونحن نعيش اليوم حمى خطبها ومؤيديها ، ما يجعلنا نطرح سؤالا قد يبدو غريبا حول جدواها .
التعليقات