بركات شلاتوة

من الأمور المهمة والعاجلة التي ينبغي على أي دولة تدخل في عهد جديد أن تسارع إليها، صياغة دستور جديد ينظم الحياة السياسية، ويتناسب مع المرحلة الجديدة التي تعيشها، للبدء في البناء على أساس هذا الدستور .

في الحالة الليبية يبدو الأمر مختلفاً، لأنه حتى الآن لم يتباطأ النظام الجديد عن صياغة الدستور فقط، بل لم يتم التوافق أو انتخاب لجنة كتابته رغم مرور خمسة عشر شهراً بعد أن وضعت الثورة أوزارها بمقتل معمّر القذافي، وبعد انقضاء المدة القانونية التي حددها الإعلان الدستوري المؤقت الذي أقر في مارس/آذار 2011 .

هذه المراوحة تخفي وراءها خلافاً بين المناطق الليبية التي باتت مقسمة في العقول ويتهددها التقسيم على أرض الواقع، وأولى مراحل ذلك التقسيم تتمثل في المحاصصة التي على أساسها تم الاتفاق بشكل مبدئي على اختيار 60 عضواً للجنة كتابة الدستور، مقسّمة بالتساوي بين الأقاليم التاريخية الثلاثة، برقة شرقاً وطرابلس غرباً وفزّان جنوباً .

لكن وبما أن إقليم برقة بات بحكم الواقع منفصلاً، بعد إعلانه إقليماً فيدرالياً وعدم مشاركته في انتخابات المؤتمر العام (البرلمان)، يرفض أن يتم تعيين أعضاء اللجنة من قبل المؤتمر العام، ويبدو مصمماً على تشكيل اللجنة من خلال انتخابات ستسمح له بضمان أن يكون له ثقل فيها على أساس الكثافة السكانية، وبالتالي ضمان أن يكتب الدستور على أساس دولة فيدرالية أساسها الأقاليم المستقلة .

هذا السيناريو يجعل المشهد سوداوياً ومفتوحاً على الاحتمالات كافة، خاصة أن التوجه الطاغي من قبل المؤتمر العام، صاحب الحل والربط في هذا الأمر، هو التوجه للانتخابات لاختيار أعضاء اللجنة لا تعيينهم، بادعاء أنه لا يريد تحمّل النتائج، لكن حقيقة الأمر أنه يسعى لإطالة أمد وجوده في السلطة، ما يعني تكريس التقسيم والفدرلة .

هذه التجاذبات تزيد حدة الاحتقان في المشهد الليبي وتزيد من حالة اللااستقرار وتشجع منطق الجهوية والقبائلية، خاصة إذا ما نظرنا إلى ما تشهده مدينة بنغازي من اغتيالات وتفجيرات وطغيان المظاهر الميليشياوية، ورفض الانضواء تحت سيادة أو إمرة طرابلس . فضلاً عن الاقتتال الذي ينشب بين فترة وأخرى بين قبائل أو ميليشيات متناحرة على لا شيء .

كل ذلك يجب أن يكون مدعاة للنظام الجديد إلى المسارعة في إطلاق حوار شامل بين المكونات كافة لمناقشة الاستحقاقات ودراستها والتوافق بشأنها، لا أن ينفرد أحد بقيادة المرحلة الانتقالية، لأن ليبيا ليست ملكاً لأحد بل لليبيين جميعاً، ومن حق الجميع أن يكون لهم رأي في أي وجه تسير البلاد .

لذا فإن إقرار الدستور يوفر مناخاً من الاستقرار لأنه ينهي القوانين والتشريعات المرتجلة التي تسن سريعاً لتنظيم مرحلة دقيقة يسودها العنف والفوضى، ما يشرّع الأبواب على مرحلة جديدة أساسها القانون وتحقيق العدالة الانتقالية، وإشاعة جو من الطمأنينينة تعيد للبلاد الأمن والأمان وتطلق عجلة الاقتصاد والبناء والتنمية