يوسف الكويليت

من اكتشفَ خدعة الآخر، الإبراهيمي الذي طاف المدن وتحدث لوسائل الإعلام العالمية المقروءة والمرئية، وكيف حاول أن يقدم العديد من الأفكار والطروحات وهو الذي خاطب مختلف القوى بلغاته التي يجيدها، أم الأسد الذي راوغ ولبس ثوب الحملان والضواري، والذي عمل منذ بداية الصدام على الإبادة والتدمير، والاتكاء على كتفيْ إيران وروسيا، ونعومة التعامل من قبل الصين؟

ولعل الخطاب الأخير هو الذي أشعر الإبراهيمي بفشل مهمته ونهايتها غير السعيدة، بعد مغامرة كان الأوْلى أن لا يخوضها، وهو الخبير بساسة المنطقة العربية وأدوارهم المتقلبة والمعقدة..

لم يعد تدويل القضية السورية وارداً؛ لأن التدخل العسكري، وهو الحاسم في كسب النتيجة، أمر مستبعد لأسبابه المختلفة بين جبهات الصراع الداعمة بشكل سخي ومباشر للسلطة، ومن ينتظر النتائج بناء على تزايد قوة وضغط الجيش الحر والمعارضة، والأسد من جانبه أدرك أن المسافة بين الاستسلام والموت تحكمها ضغوط من حوله حيث قيل إن الإصرار على الاستمرار بالعمل العسكري تقوده أمه وبعض المتنفذين حولها من أبناءٍ وأصهار وموالين..

الحلول السياسية انتهت لأنها، في زعم الأسد، منحازة ولا تفي بشروطه، ويبدو أنه مغيّب عن الواقع الذي يجري بسبب ما يتلقاه من تقارير تعاكس الحالة الواقعية التي تجري عليها الأوضاع على الأرض، وهذه مشكلة من يُحكم بقوى لا تساعده على الفهم والاطلاع المباشر، أي أنه صار مجرد واجهة لنفوذ لا يقوى على مواجهته، وهذا لا يعني أنه حمامة السلام في قطيع الذئاب بل هو جزء من العصابة التي تحددت أهدافها بقتل الشعب وتدمير ثرواته..

لقد كثرت التكهنات حول مصير النظام، فهناك من يعتقد أنه أعد لنفسه دولة في الشمال بحماية طائفته، وآخر يرشحه باللجوء إلى إحدى دول أمريكا الجنوبية، أو روسيا، وثالث يرى في مكابرته بالاستمرار بالحرب أن يكون مصيره كمصير القذافي، وحتى لو استمر فمطالب ما دمره من بنية اقتصادية شاملة لا تقوى على إعمار بلده بموارده ومعونات مؤيديه، طالما قدرت الخسائر بمئات البلايين، وهذا بحد ذاته عامل لا يقوى على مواجهته، وبالتالي فعقيدته هي تسليم البلد بشكل مدمر بحيث يشكّل مصيراً صعباً لأي وريث قادم..

سورية حكمت بعقلية الحرب الباردة، فقد سمى النظام نفسه أنه الواجهة أمام إسرائيل والامبريالية الأمريكية، بينما البلدان كانا أكثر حرصاً على بقائه لأنه نفذ ما عجزت عنه حكومات موالية لتلك الدول، وروسيا التي تتحالف معه لا تعيش على النظام السوفياتي، ولا تعادي إسرائيل، وتتفق مع أمريكا على العديد من المصالح المشتركة، وتبقى إيران المؤدلجة ظاهرياً بمذهبها، وواقعياً بقوميتها الشوفينية التي تعادي العرب بمنطق الإرث التاريخي، وبناء الامبراطورية الفارسية..

وفي كل الأحوال فالإبراهيمي خرج ولم يعد لسورية وهي طبيعة الأمور المعقدة التي كان من المفترض أن لا يجازف بدخولها..