علي محمد الفيروز

حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما انتصاراً تاريخياً جديداً في عهده الرئاسي الثاني من خلال أول خطوة اقتصادية تجنبه الهاوية المالية للولايات المتحدة، بحيث توصلت الإدارة الأميركية التي يقودها الديموقراطيون إلى اتفاق مع الجمهوريين على ضرورة انقاذ البلاد من النكسة المالية التي كانت تهدد وتزعزع الاقتصاد الأميركي، فمجلس الشيوخ قد نجح بدوره في تجنيب البلاد من الركود بعد انتهاء المهلة النهائية وإرجاء رفع معظم الضرائب وتخفيض النفقات التي كان من المتوقع أن تبدأ مع السنة الميلادية الجديدة لهذا العام.
فيما يبدو أن ملامح الإنقاذ المالي الأميركي ستبدأ من خلال فرض معدلات ضرائب غير مرتفعة بالنسبة لمعظم دافعي الضرائب الأميركيين بينما تزداد الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة التي تفوق الـ 300 و400 ألف دولار ولا يتم رفع الضرائب على الطبقات الفقيرة والمتوسطة أي ميسوري الحال، وبالتالي يكون أصحاب رجال الأعمال والتجار وهي الشريحة الأكثر ثراءً هم الفئة المستهدفة التي ستنشط الاقتصاد الأميركي وتخطي ويلات الركود وتجاوز خطر الهاوية المالية في المستقبل.
لقد أكدت مصادر قريبة من مجلس النواب الأميركي أن هناك تعاوناً موقتاً بين الحزبين بضرورة دراسة الاتفاق الذي توصل اليه البيت الأبيض وزعماء الكونغرس أخيراً والمبني على خفض الانفاق وزيادة الضرائب عن طريق تمرير مشروع قانون جديد أو تعديله في مجلس النواب الأميركي والذي بدوره سيؤدي إلى تمديد قانون ضمان البطالة للشعب الأميركي الذي يعاني من مشكلة البطالة والتي وصلت بالأميركيين إلى مليوني عاطل تقريبا والعدد إلى ازدياد مستمر في وقت تعاني الولايات المتحدة من أزمة مالية عالمية وصراع حزبي وعجز كبير في الموازنة وازدياد سقف الانفاق.
سبق للرئيس أوباما أن رفض بشدة طلب الجمهوريين في الكونغرس خفض الإنفاق، ولكن بعد التوصل إلى اتمام الصفقة بين الحزبين اضطر أوباما إلى الاستسلام لفرض الضرائب على الأثرياء فقط، ويرى أعضاء الحزب الجمهوري أن الرئيس ليس جاداً في عملية خفض الانفاق ولكنه أكثر حرصا على فرض الضرائب كونه قطع عهداً على نفسه بتنفيذ وعوده أثناء فترة حملته الانتخابية والتي من ضمنها ايجاد الحلول المناسبة لأزمة الموازنة الأميركية، كما ان الإدارة الأميركية انشغلت في الفترة الماضية بمسألة الانفاق الحكومي وسط الخلاف الحزبي الواسع تجاه عملية المصروفات التي تركزت نحو برامج وخطط الرعاية الاجتماعية مثل برنامج التأمين الصحي للمسنين والضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية التي تشكل في مجملها تهديداً حقيقياً للاقتصاد الأميركي وبالذات البنك المركزي الأميركي الذي ظهر عاجزاً عن تغطية الأزمة المالية ما أدى أيضاً إلى تذبذب مؤشر الاستثمارات الأميركية والأسواق المالية.
إن تكرار ظاهرة الاخفاقات والخسائر المالية وعدم وجود ما يغطي هذه النفقات في الميزانية العامة قد جعلت البيت الأبيض يفكر جدياً في خفض مطالبته برفع الضرائب إلى 1.4 تريليون دولار من أصل 1.6 تريليون في الفترة المقبلة، فالإدارة الأميركية لا تريد الدخول في صراع دائم مع الكونغرس حتى لا يتكرر هذا السيناريو مثل سيناريو مشابه للأزمة المالية الحالية عاشته الولايات المتحدة عام 2008، وقبل أعوام قليلة بحالة من الأزمات المالية المتوالية.
فالبعض ربما يتذكر عندما كانت الخزانة العامة على وشك الإفلاس بسبب رفض الكونغرس زيادة سقف الدين العام بما يتيح استمرار اقتراض الحكومة لتمويل عجز الميزانية.
وعلى ضوء هذه الأحداث تظل الولايات المتحدة في وضع أفضل من غيرها رغم أن وضعها لا يستحق الاشادة في ظل الظروف الراهنة بل ربما يتحسن اقتصادها بنسبة 2 في المئة تقريباً في العام الحالي، ومن المتوقع أيضاً أن الكونغرس لن يترك هذه المحنة تمتد أمام المشرعين والمتنفذين بل ربما سيوافق على الأرجح على توسيع نطاق بعض التخفيضات الضريبية ورفع السقف القانوني لديون الحكومة، كما ستتغير بعض أمور خطة الحوافز القائمة على أن تشمل هذه المرة توسيع منافع البطالة.
وفي النهاية يجب على الولايات المتحدة أن تسعى جاهدة لخفض مستوى المعيشة في ظل ازدياد البطالة المقنعة وأن تتابع عملية الصرف على إصلاح البنية التحتية والاستثمار في الأبحاث حتى تتجاوز تلك الصعوبات الاقتصادية وخطر انهيار الوضع المالي للولايات المتحدة في المستقبل، لاسيما وأن رئيس مجلس النواب الأميركي جون باينر قد سبق له القول إن الدولة تعاني من مشكلة صرف أموال ومن دون إصلاح ملموس للتعويضات وضبط المصروفات وقانون ضرائب أفضل سيتصاعد الدين.
ويبقى السؤال هنا: هل يستطيع الرئيس الأميركي أوباما تحاشي الهاوية المالية ومواجهة التحديات السياسية في ظل هيمنة الحزب الجمهوري على مجلس النواب؟!
لكل حادث حديث.