لندن - ابراهيم درويش

شهدت الاشهر الاخيرة تدفقا للمتطوعين من ابناء السنة في لبنان على سورية وذلك للانضمام للجماعات الاسلامية المعارضة لنظام بشار الاسد. ويقول مسؤولون امنيون لبنانيون ان زيادة الدور الذي يلعبه المقاتلون اللبنانيون في الصراع الدائر في سورية ناجم عن تطور العلاقات بين الجماعات الاسلامية المتشددة في كلا البلدين وهو امر يثير المخاوف بعودة التوتر الطائفي.
ويقول المسؤولون الذين نقلت عنهم صحيفة 'واشنطن بوست' ان تحالفا تم بين مقاتلي جبهة النصرة التي تعتبر في مقدمة الجماعات التي تقود الحرب على النظام السوري في شمال البلاد وجماعات اسلامية متشددة في شمال لبنان حيث انشأت الجماعة خلايا لها في لبنان. وقال مسؤول لبناني ان هناك علاقة قوية بين قيادة الجبهة في سورية والمتشددين الاسلاميين في طرابلس.
ويعيش لبنان انقساما حول الازمة السورية، حيث يدعم حزب الله النظام السوري، وارسل هو الآخر مقاتلين له للقتال الى جانب نظام الاسد، مع انه قال اكثر من مرة انه يقدم مساعدة استشارية وليست قتالية، فيما كشف تقرير بريطاني عن وجود مقاتلين من لبنان والعراق قال انهم يقومون بحماية مقام السيدة زينب في جنوبي حلب. فيما يدعم السنة بكل قطاعاتهم والوانهم الايديولوجية - اسلامية وعلمانية الانتفاضة في سورية. وقد اثر الانقسام حول سورية على وضع اللاجئين السوريين في لبنان، حيث رفض لبنان حتى الآن فتح مخيمات رسمية لهم، لان حزب الله المؤثر في الحكومة اللبنانية يخشى من استخدامها كمركز لمقاتلي الجيش الحر.
وشهدت مدينة طرابلس التي يتحدث عنها التقرير العام الماضي مواجهات مسلحة بين احياء سنية واخرى علوية تؤيد النظام السوري وذلك العام الماضي. ويقول المسؤول الامني ان اوضح مثال على تزايد العلاقات بين الجماعات المتشددة هو الحادث الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي قرب بلدة كلخ السورية عندما اجتاز 22 متطوعا لبنانيا وسوريا ومن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الحدود مع سورية، وتعرضوا لرصاص القوات السورية، حيث قتل 19 منهم، وظهر شريط على الانترنت فيما بعد يصور القوات الامنية وهي تركل جثث القتلى وتلعنها. كان الحادث سبب المواجهات التي اندلعت بين السنة وسكان جبل محسن العلويين في طرابلس، نهاية العام الماضي والتي خلفت 12 قتيلا. وتقول الصحيفة ان قادة الجماعات الاسلامية في المدينة دعوا اتباعهم لزيادة الدعم للثورة السورية، حيث تم انشاء جماعات للاشراف على نقل وتهريب الاسلحة عبر الحدود وبمساعدة من المهربين، حيث اعتمدوا على هواتفهم النقالة ثم استخدموا اجهزة اتصالات اكثر امنا مثل هواتف الثريا.
ويشير التقرير الى ان الشخصيتين الرئيسيتين في جهود دعم الثورة السورية مقاتل سابق في افغانستان، والذي لعب دورا في عملية تل كلخ، واخر اسمه ابو سليمان المهاجر الذي ظهر في شريط فيديو دعا فيه للجهاد ضد النظام السوري. ويقول المسؤولون الامنيون ان كلا الرجلين لهما علاقة بتنظيم فتح الاسلام الذي واجه الجيش اللبناني عام 2007 في مخيم عين البارد.
وكان عدد من قادة فتح الاسلام قد قتلوا في سورية منذ بداية الانتفاضة. وعلى الرغم من احاديث المسؤولين الامنيين عن الصلات بين المتشددين اللبنانيين والسوريين الا ان قادة سنة في طرابلس يرون ان هناك مبالغة في الحديث عن الصلات بين الطرفين. ونقلت عن الشيخ سليم الرفاعي قوله ان المقاتلين السوريين ليسوا بحاجة للبنانيين، وانه حتى لو طلبوا منهم السفر الى هناك لاصبحوا عبئا على اخوانهم السوريين من ناحية الحاجة للطعام والمسكن والسلاح اضافة الى عدم معرفتهم بالتضاريس الجغرافية السورية.

توتر في الشمال

وقد اثار هجوم قام به مقاتلون ملثمون على مكتبين لناشطين في بلدة سراقب، المخاوف من زيادة التوتر بين الجماعات الجهادية والمدنية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال البلاد. وهاجم الملثمون المنتدى الاجتماعي، ومكتب مشروع التكافل الاجتماعي الذي يقيم فيه صحافيون دانماركيون وناشطتان سوريتان، وطلبوا منهم مغادرة البلدة قبل غروب الشمس. وندد ناشطون تظاهروا يوم الجمعة بالعمل 'القذر' وتوعدوا بالرد عليه. وخرجت مظاهرات في البلدة يوم الجمعة حملت شعارات منددة بالظلم وقرنت ممارسات الملثمين بممارسات آل الاسد، وهتف المتظاهرون قائلين 'يا حرية وينك وينك الارهاب بيني وبينك، يا حرية ويني وينك الطوارىء بيني وبينك'، فيما تعرض ناشط لمن قاموا بالعمل بالنقد على وسائل الاتصال الاجتماعي بـ 'الشبيحة'. وتقدم اكثر من اربعين مواطنا منهم ناشطون ببلاغ للمحكمة الشرعية طالبوا فيه بمحاسبة الفعلة وتقديمهم للمحاكمة. وتقول صحيفة 'نيويورك تايمز' ان الناشطين في تنسيقية سراقب يشعرون بالجرأة الآن وهددوا المقاتلين، وقد نفى قادة جبهة لواء سراقب اية معرفة لهم بالامر، لكن النشطاء قالوا انهم ينتظرون تحقيقات المحكمة الشرعية، وقالوا انهم لن يتسامحوا مع تصرفات المقاتلين وطالبوا بالاعتذار. خاصة ان انتقادات وجهت للمقاتلين بانهم قاموا بتدمير مصنع للحليب بدون مبرر.
ويظهر الصراع الاخير الوضع المتوتر في المنطقة، فجبهة النصرة التي دعت للصلح واطفاء نار الفتنة والوحدة ضد العدو المشترك وهو الحكومة، تلعب دورا اجتماعيا، وانتصاراتها في المعارك عزز من موقعها واحترامها بين السكان، على الرغم من ان الكثيرين منهم لا يوافقون على نظرتها وايديولوجيتها، وقوة الجبهة نابعة من جانب اخر وهو استمرار التمويل والتسليح الذي تحصل عليه. ومن هنا لم تنجح سياسة الولايات المتحدة تهميش الجبهة عندما صنفتها كمنظمة ارهابية نهاية العام الماضي.
وترى 'نيويورك تايمز' ان سبب الهجوم على المقرين جاء لاسباب تتعلق بغضب الملثمين على ان الناشطات والصحافيات لم يلتزمن بالزي الاسلامي وان تصرفاتهن لم تحترم المشاعر الدينية المحافظة في المنطقة. ومع ان الملثمين لا يعارضون وجود الصحافيين الاجانب الا انهم يفضلون الصحافيين الرجال على النساء. ولاحظت صحافية دانماركية كيف تغيرت البلدة التي زارتها قبل ستة اشهر، هذا من ناحية النظرة للزوار الاجانب وتصرفاتهم. وشهدت ضواحي العاصمة، دمشق مواجهات مماثلة بين الجماعات الجهادية حيث عبر ناشطون هذه المرة عن مخاوفهم من المواجهات التي حدثت بين كتائب جهادية. ويبدو ان الخلافات تعود الى وجود مقاتلين اجانب داخل صفوف المقاتلين حيث تساءل ناشط عن الطريقة التي يقبل فيها المقاتلون اجانب بين صفوفهم، وقال انه يسمع المقاتلين دائما يقولون انهم يريدون انهاء الحرب مضيفا 'هذا يصيبني بالجنون لان هؤلاء الناس سيذبحوننا بالسكاكين'.
ولاحظت صحافية دانماركية التي زارت سراقب قبل ستة اشهر ان المدينة تعيش مرحلة تحول حيث يسيطر ناشطو الجبهة مع الكتائب المحلية السيطرة عليها.

سكان المغاور

ولا بد من الاشارة الى ان المشردين السوريين في الحرب ممن لم يستطيعوا الخروج من دوامة الحرب، وممن ضاقت عليهم المدن ولاحقهم القصف في اي مكان احتموا فيه لم يجدوا سوى المغاور في رؤوس الجبال. ففي تقرير لصحيفة 'ديلي تلغراف' عدد السبت من بلدة عين الزرقا في ريف ادلب حيث كتبت عن حالة مشردين سوريين منهم ام سالم وابناؤها ممن وجدوا في مغارة في جبال ادلب ملجأ امنا لهم. وقد هربوا من بلدتهم الحمامة بعد ان تحولت الى مركز للقتال والقصف من القوات الحكومية. وقصة ام سالم تعتبر عادية مثل قصص الالاف ممن اصبحوا لاجئين في داخل وطنهم، حيث يقدر عدد من شردتهم الحرب حتى الان مليوني شخص. ويبدو ان الحاجة هي التي دفعت قاطني المغارة حيث تقول فتاة من سكانها ان الحياة في بلدتهم اصبحت مستحيلة بسبب الحرب، ولانه لا مال لديهم لاستئجار بيت في قرية اكثر امنا، ولعلمهم ان تركيا ستعيدهم من على الحدود. وحتى العثور على مغارة اخذ منهم اياما طويلة لان معظم المغاور في سورية باتت 'مستأجرة'. ويبدو من المغارة التي تعيش فيها ام سالم، وعلى الاطراف الاخرى وجود معالم لوجود حياة تبدو من الغسيل المنشور من امام المغاور، والطرقات المتعرجة التي عملت بسبب المشي، واكوام الخشب المتراكمة امام ابواب المغاور.
وقد اقام عدد من السكان الذين يقيمون منذ مدة في المنطقة جدرانا من الطين لحمايتها فيما اكتفى اخرون بوضع اغطية من من البلاستيك لحمايتها من الريح والغبار. وتقول ام سالم انها قضت يوما وهي تنظف المكان من بقايا المواشي التي كانت تعيش فيها، حيث انتقلت اليها بناء على نصيحة راع كان يستخدمها من قبل.
وتقول انها حاولت تحويل المغارة الى مكان يصلح للسكن، ووضعت فرشا بلاستيكية وعلاقات للاواني، اما الحمام ففي الخارج حيث وضعت غطاء بلاستيكي لاعطاء من فيه الخصوصية لكنه لم يكن كافيا لمنع الرائحة من التسرب. وتقول ام سالم انها لو علمت انها ستعيش في هذا المكان لما انجبت اطفالا بهذا العدد (10 اطفال).
وتقول انها انتقلت مع زوجها لهذا المكان منذ الصيف الماضي وانها تقضي يوما كاملا كي تغلي المياه التي تنقلها من النهر كي تحافظ على نظافة الاولاد. ونظرا لخطورة المكان فلا يستطيع الاولاد اللعب في الخارج، خشية ان تضربهم السيارة الموجودة في الخارج او يقعوا في الجرف، وقد حدث هذا عندما سقطت طفلتها نور واصابت رأسها. وتقول الصحافية ان معظم سكان المغاور هم من الاطفال والنساء لان الرجال والشباب اما قتلوا في المعارك مع الحكومة او في سجونها.