طيب تيزيني

يلاحظ الباحث المدقق أن أحد الأخطاء الكبرى والحاسمة التي قام بها النظام السوري منذ 15-3-2011 في مواجهته للأحداث التي لا تزال قائمة، تمثل في الاستعجال الفاحش الذي لجأ إليه في مواجهة هذه الأخيرة. فلقد أعلن الإعلام السوري منذئذ أن الأحداث تجسيد لمؤامرة كونية خارجية على سوريا، ثم زادت هذه الفكرة وضوحاً، حين راح المتابع يقرأ في الإعلام السوري أن أطرافاً أو بعضاً من أطراف هذه المؤامرة، يمكن تحديدها بكونها منتمية إلى مرجعيات السلفيين وأنصار laquo;القاعدةraquo;، إضافة إلى أهل النصرة من بلدان عربية وغير عربية... إلخ، وكان هذا تعبيراً دلالياً على أن الداخل السوري لم يكن طرفاً في ذلك، لأنه لا يحتمله ولا يمكن التفكير بأنه (أي الطرف السوري) هو منتجه أو هو مشارك في إنتاج أسبابه، أي (هنا) أسباب الانتفاضة أو المؤامرة تلك، على حد قول آخرين من النظام أو من أطراف أخرى.

وبسرعة نسبية راحت سلمية الأحداث المندلعة والمتسعة في سوريا، تتحول إلى حالة سريعة ومتسارعة من الاصطراع العسكري، وظف فيه النظام أسلحة متقدمة زادت من حدته، وأوضحت بجلاء من الشعارات ما راح يجد حضوراً عمومياً، كان ذلك قد تجسد في شعارات حسمت الموقف القائم على الثنائية في اختيار الاستراتيجية، أما أهم ما راح يحدث هنا فقد أفصح، بقوة وبشيء من السذاجة، انهيار احتمالات العقلانية والحكمة في مواجهة الأمور. أما الثنائية إياها فتبلورت في الخيارين الحاسمين التاليين اللذين يلتقيان برأي المفكر الياباني الأميركي فوكوياما، واللذين جاءا في الزمن العولمي الذي نعيشه.





فقد أعلن هذا الرجل أطروحته الجديدة: لقد انغلقت أبواب التاريخ العالمي، الذي دخل مرحلة الموت السريري، لتبقى أبواب التاريخ الأميركي مفتوحة، وذلك على نحو يمكن أن ينضم إليه تاريخ هذا الشعب أو ذاك ضمن شروط هو التاريخي الأميركي، نعم، هنا كذلك، إما الإندراج في التاريخ الأميركي العولمي، وإنما الدخول في أتون حرب عالمية ثالثة يمكن، بل ينبغي أن تطيح بسيادة من يطرح من الشعوب بخيارات أخرى لا تُبقي على أحادية laquo;التاريخ الأميركي الحقraquo; سائدة في الكون.

والآن، يأتي رئيس وزراء روسيا، ليعلن بلغة laquo;التوبيخraquo; ما يُظهر ضرورة أحادية ذلك التاريخ الأميركي، يقول هذا الرجل (في التصريح الذي أطلقه يوم الأحد المنصرم في 27-1-2013): laquo;لقد أخطأ الأسد، حين laquo;تلعثمraquo; في مواجهة استحقاقات الإصلاح، التي راحت تطرح نفسها على النظام السوري، فلقد واجهها متأخراً، غير مدرك أهمية وخطورة الزمن في المرحلة المعيشة الآن، ولذلك، فإن فرص بقائه في الحكم تتضاءل، والحق، أن هذا الحكم الذي قدمه ميدفيدف وإن كان صحيحاً في موضعه وسياقه، إلا أن الكلام فيه لم يعد، بعد السكوت عليه، إلا ألفاظاً فقدت دلالتها الرمزية، والأخرى الأكثر أهمية وخطورة، وهي التاريخية، فمدفيديف أغفل ما كان عليه أن يعلن عنه بوضوح كلي: إنك إن أغفلت الزمان الذي عليك أن تحقق فيه استراتيجيتك، فإنك لن تعود تملكه في رمزيته وتاريخيته، إنه لن يعود فإذا كان عليك أن تُنجز مهمتك الآن، فاعلم أنك لن تنجزها الآن، إن أهملتها الآن، ذلك لأنك لن تكون قادراً على إنجازها، ومن هنا، كان على رئيس الوزراء الروسي، ألا يتخذ الموقف الذي اتخذه، في حينه صامتاً، حين سوّغ السكوت على تلك المهمة في حضور أصحابها السوريين، وفي هذا: إما استخداع، وإما استبلاهُ ذاتي، وكلها أسهم ويسهم في تدمير سوريا.