جاسم بودي


من ينظر إلى جدول أولويات الحكومة المتخم بالعناصر laquo;المبهرةraquo; وفق تعبير النواب يعتقد ان مسارا جديدا بدأ في الكويت لجهة الإنجازات المأمولة على مختلف أصعدة التنمية، انما من يراقب مسار العلاقة بين المجلس والحكومة يكتشف ان البرنامج شيء والتنفيذ شيء آخر خصوصا إذا اكتشفنا ان الاهتمام كله منصب على معالجة قضايا انتخابية شعبية... تماما كما كان يحصل في السابق.
لا طبنا ولا غدا الشر، أو laquo;اقرأ برنامجك يعجبني اشوف افعالك اتعجبraquo;. اليوم لا عذر أمام الحكومة كي لا تتقدم ببرنامج واضح وخريطة طريق أوضح لتنفيذه. كلنا مع التنمية والمشاريع الاقتصادية المفيدة والمنتجة ومع حل قضايا البطالة والإسكان والخدمات والمشاكل التي تعاني منها كل قطاعات الدولة... كلام نظري يمكن ان تكتب به الحكومات مجلدات وترسلها إلى السلطة التشريعية انما لا بد ان يترافق ذلك مع وسائل تفصيلية متعلقة بالتنفيذ تتضمن المدد الزمنية والمستويات النوعية التي نريد بلوغها. هذا من حيث المبدأ اما من حيث الخصوصية الكويتية فنقول ان أحدا لا يثق لا ببرنامج ولا بوعود لان مطلع القصيدة كفر.
في السابق كانت الحكومات تتذرع بعدم التعاون النيابي كي تبرر عجزها وتقصيرها، وكان هذا التذرع يلقى تعاطفا وتجاوبا من فئات كثيرة ساءها المنحى الذي اتخذته العلاقة بين السلطتين على مدى عقود، وقبل أشهر كانت الحكومة تلقي بمسؤولية الفشل على عاتق مجلس 2012 وتقول انه كان مجلسا يريد الصدام لا التعاون وان laquo;صقورهraquo; لا يهمهم الا القضايا الانتخابية الشعبية التي تضيف مشاكل جديدة إلى البلد ولا تحل مشاكل قائمة، مثل اسقاط القروض أو فوائدها أو الحصول على laquo;كوتاraquo; ثابتة من التعيينات والتنقلات أو حصر غالبية معاملات العلاج بالخارج بهم أو تهييج الشارع والحياة السياسية بخطاب طائفي مقيت رفضا لدخول هذا الشيخ إلى الكويت أو استنكاراً لكتابة على جدار.
كانت كل هذه القضايا تضيف إلى رصيد بعض النواب وتأخذ من رصيد الكويت دولة ومجتمعا... ولكن هل التوصيف الحكومي للفشل صحيح؟


رغم انني لم اكن أرى ان مجلس 2012 هو مجلس التأزيم المطلق مع الحكومة، ورغم انني كنت اعتبر بعض الطروحات الإصلاحية في ذلك المجلس مقدمة لتطوير النظام السياسي، ورغم انني أرفض حصر أو اختزال مسيرة المجلس السابق ببعض المواقف لبعض النواب واعتبره نوعا من الظلم لجهود نواب كثيرين وخصوصا الشباب منهم... رغم ذلك كله سأقول لا عذر امام الحكومة التي اشبعتنا تحليلا عن عدم التعاون وانعكاسه على الانجاز، وها هي اليوم أمام اختبار مع مجلس آخر يفترض انه جاء انسجاما مع توجهات سياسية جديدة، ويفترض ان نصدق ما قاله اعضاء السلطتين من ان مرحلة مختلفة تجتازها الكويت حاليا قوامها التعاون والتشريع، بل ان نصدق حتى المبالغات التي اطلقها بعضهم من قبيل ان الكويت ستشهد في ثلاثة اشهر ما لم تشهده في 30 سنة... laquo;قويةraquo; انما لا بد من حسن النيات مدخلا لحسن الخواتيم.
حتى الآن، رأينا برنامجا حكوميا يتمدد بخجل على الورق ورأينا عكسه يتمدد بقوة في الفضائيات السياسية. قرأنا بنودا نظرية لتحريك عجلة التنمية وسمعنا تصريحات علنية متمحورة حول بند واحد هو اسقاط فوائد القروض وكل نائب يدعي وصلا به ويستميت لاظهار انه الأب والأم والعم والخال لهذا المشروع، ويقسم انه لن يخون ثقة الناخبين به وانه سيوقف الوزير المعني على المنصة أو يستجوب رئيس الحكومة بل ذهب بعض النواب إلى الربط بين عدم اسقاط الفوائد واسقاط النظام... أيضا laquo;قويةraquo; انما لا بد من متابعة موقف الحكومة لمعرفة مسار الخواتيم.
في المبدأ، لم يعد الكويتيون يريدون حكومة تتابع المسارات السابقة. أي ان توقف كل برنامجها لمواجهة تأزيم سياسي طارئ أو مطلب شعبي انتخابي، ثم تصرف كل الجهد لحماية الوزير أو حماية نفسها من خلال الصفقات مع هذا النائب أو ذاك. ولم نعد نريد هذا النوع من التعاون لانه التهاون بعينه... لا مع النواب انما مع الكويت نفسها.
بصراحة أكثر، لم نعد نريد حزبا اسمه حكومة في مواجهة حزب أو احزاب اسمها المجلس. نريد خريطة طريق واضحة لتنفيذ برنامج عمل السلطة التنفيذية المكلفة إدارة البلاد، ونريد من رئيس الحكومة ان يقيل هو الوزير الذي يقصر في تنفيذ ما تعهد به ولا يترك أمر معالجة التقصير للمجلس أو للصفقات مع المجلس.
الحكومة ليست حزبا للتضامن مع اعضائه في السراء والضراء، أو للتكتل وصرف الوقت والجهد لمواجهة حزب آخر قوامه السلطة التشريعية. الحكومة سلطة تنفيذية مكلفة بإدارة البلد وتطوره وتقدمه وتحديثه، ومكلفة ببناء مستقبل واعد وغد آمن للكويتيين، وعليها الاندفاع لتحقيق اهدافها بطريقة مختلفة واستثنائية من دون تعليق الاخفاقات على مشجب المجلس.
وعلى الحكومة ان تدرك ان الرقابة والمحاسبة في أيامنا الراهنة لم تعد تقتصر على المجلس. اصبحت للرأي العام قدرات كبيرة للتعبير والاحتجاج في اطار الدستور والقوانين، فالصفقات مع النواب لم تعد تكفي لاخفاء التهاون أو التقصير، والصدام مع النواب لم يعد يكفي لتبرير التهاون أو التقصير. باختصار، لم يعد أمام الحكومة في محكمة الرأي العام إلا ان تركز على العمل الجاد وتبتعد عن محاولات كسب رضا المجلس والشارع بقرارات شعبوية عفى عليها الزمن... فالسقوط هذه المرة سيكون كارثي العواقب.
بعض القرارات قد لا يكون مقبولا من الشارع لكن الأدوية المفيدة لشفاء الابدان ليست سهلة الهضم أو طيبة المذاق. انها الفرصة الأخيرة لحكومة معطاة كل الصلاحيات السياسية والامكانات المادية وأمامها مجلس يفترض انه مختلف. فرصة للحفاظ على ما بقي من النسيج السياسي والاجتماعي واعادة الاعتبار إلى الدولة وتغليب مصالح الأمة ومستقبلها على المصالح الآنية والشعبية والانتخابية.
حكومة دولة الكويت... لا اعذار، لا مبررات، لا حجج. هل وصلت الرسالة؟