الياس حرفوش

لم يتأخر رد فعل دمشق على الموقف الذي أعلنه رئيس laquo;الائتلاف الوطنيraquo; الشيخ معاذ الخطيب على صفحته على موقع laquo;فايسبوكraquo;، والذي أعلن فيه استعداده laquo;للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظامraquo;. فبينما لقي هذا الموقف تجاهلاً كاملاً من المسؤولين السوريين، جاء الرد بطريقة غير مباشرة على صفحات جريدة laquo;الوطنraquo; المقربة التي اعتبرت تصريحات الخطيب دليلاً على laquo;تفكك المعارضة السورية في الخارج وتفسخها وعدم تمكنها من اتخاذ موقف موحد إزاء الأزمة السورية وسبل حلهاraquo;. كما وجهت الجريدة إهانة مباشرة لـ laquo;الائتلافraquo; الذي يرأسه الخطيب قائلة إنها تتوقع laquo;ظهور تجمع جديد لا يكون هدفه جني المال العربي والغربي، بل العمل على إخراج سورية من أزمتهاraquo;.

هذا هو رد النظام على المبادرة التي قال الخطيب إنه أطلقها نتيجة laquo;حسن نيةraquo; من جانبه، لأنه يرى أن هناك جداراً مسدوداً أمام الحل، كما أن الدول التي قدمت الوعود لمساعدة المعارضة لم تفعل شيئاً، وهناك من يخطط لاختفاء سورية من خريطة العالم نتيجة حرب طاحنة تستمر سنوات.

أراد معاذ الخطيب أن يقيم حواراً مع النظام الذي يصفه بأنه laquo;يقتل الأطفال ويرتكب المجازر بحق الأبرياءraquo;. هل كان رئيس laquo;الائتلافraquo; يجهل أن هذا النظام سيستخفّ بنداء الحوار وسيرد بهذه الطريقة، ولن يرى في مواقف رئيس laquo;الائتلاف الوطنيraquo; سوى دليل على تفكك المعارضة، ما يسمح له باستغلال هذا الوضع بهدف الاستمرار في ارتكاب المجازر وأعمال القتل التي تحصد ما معدله خمسة آلاف سوري كل أسبوع؟

لقد عانى الخطيب شخصياً من قمع النظام السوري عندما كان إماماً للجامع الأموي في دمشق. وهو يعرف طبيعة عمل السلطة الحاكمة في بلده ومصدر الأوامر التي يتم تنفيذها من دون سؤال، على ما أكد laquo;نائب الرئيسraquo; فاروق الشرع في حديثه الأخير قبل أسابيع، والذي اختفى بعده عن الأضواء. فعلى رغم الموقع الديني الذي كان يتمتع به الخطيب، لم يرف جفن للنظام ولم يمنعه ذلك من اعتقاله وتعريضه للإهانة، بعدما شارك في التظاهرات الأولى مع بدء حركات الاحتجاج في العاصمة السورية. وهذا ما يستدعي التساؤل عن تفسير التصريحات الأخيرة التي لا يشير فيها على الإطلاق إلى ضرورة استبعاد أي دور للأسد عن تسوية الأزمة، باعتباره المسؤول الأول عن كل الارتكابات والجرائم التي وقعت بحق السوريين. كيف يمكن الجلوس مع ممثلين للأسد في ظل وضع كهذا؟ وما هو الحل الذي يمكن الوصول إليه معهم؟ ثم، هل يعتقد معاذ الخطيب أن هناك مسؤولاً سورياً يستطيع أو يجرؤ على التفاوض على أي حل سياسي ينتهي باستبعاد الأسد عن موقعه، كصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في سورية؟

من الجيد أن يكون laquo;حسن النيةraquo; دافعاً لإنقاذ سورية بأية طريقة ممكنة. لكن رجلاً في موقع سياسي كموقع الخطيب لا يستطيع أن يعتمد في مواقفه على laquo;حسن النيةraquo; فقط. كما لا يمكن اعتبار مواقفه مجرد laquo;رأي شخصيraquo; يتحمل مسؤوليته هو وحده، كما قال دفاعاً عن تصريحاته. فهو رئيس laquo;الائتلاف الوطنيraquo; ولهذه الهيئة برنامج سياسي تم تشكيلها لتنفيذه. وإذا كان من حق أي عضو في laquo;الائتلافraquo; أن يكون له رأي مخالف، فإن المكان الصالح للتعبير عن هذا الرأي يفترض أن يكون داخل الاجتماعات، على أن يلتزم الجميع، وخصوصاً الرئيس، القرار الذي يتم اتخاذه بعد ذلك.

لا شك في أن رئيس laquo;الائتلافraquo; السوري محق في الشكوى من عدم قيام العالم بتحرك جدي لوقف المأساة في بلده. لكن، من السذاجة تجاهل المسؤول الحقيقي عن هذا الشلل الإقليمي والدولي. إنها الأطراف الداعمة للنظام السوري في المنطقة والتي تمده بوسائل القتل، والدولتان اللتان منعتا مجلس الأمن من التوصل إلى قرار واضح يتيح التدخل لوقف المجازر. وأي موقف غير ذلك من شأنه تمييع المسؤولية، فضلاً عن أنه يصب بالنتيجة في مصلحة النظام.

أخيراً لا بد من القول إن من سوء حظ المعارضة السورية أنها ابتليت بهذا النظام، غير أن من حظ النظام السوري أنه حصل على هذا النوع من المعارضة.