علي الخبتي

الطلاب الأميركيين يهود أو غيرهم، يصرون على فكرة شعورهم بالأمن داخل الدول العربية ولكن أحداث العنف الأخيرة قللت من الالتحاق بالبرامج الخارجية لبعض الدول

في عدد صحيفة نيورك تايمز الصادر يوم 17 من هذا الشهر، كتب ريتشارد بيرز-بينا الصحافي في الصحيفة منذ عام 1992 والذي يعمل الآن على كتابة تقارير عن التعليم العالي في الصحيفة نفسها، تقريراً عن ازدياد اليهود الأميركيين الذي يدرسون العالم العربي بهدف معرفة التحديات التي تواجه إسرائيل والولايات المتحدة.. وقبل أن أستعرض التقرير أود الإشارة إلى غياب أسباب وجود تلك التحديات وأسباب الحنق العربي المتمثلة في احتلال إسرائيل وتوسعها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية وتحيز السياسة الأميركية لإسرائيل وإذا تطلب الأمر استخدام الفيتو في الأمم المتحدة حماية للمحتل من أي قرار أممي ضده.


وباستعراض التقرير يتضح أنه في عام 1990 كان هناك 3600 طالب يدرسون العربية في الكليات الأميركية وارتفع الرقم إلى 10600 في 2002 و 35000 في عام 2009.. ولسنوات كان هناك (كورس) واحد فقط لتدريس العربية في الكليات الأميركية وبعد 11 سبتمبر تمت الموافقة على إضافة (كورس) ثان.. ويضيف التقرير أن الطلاب الذين يدرسون العالم العربي يقومون ببذل جهود كبيرة في ذلك.. فمثلاً الطالبة اليهودية الأميركية ميريام بيرقرو، 23 عاماً من فيلاديلفيا وكانت تدرس في مدرسة يهودية هناك.. تقول إنها درست العربية في جامعة Wesleyan (ماكون-جورجيا) وعاشت مرتين في الأردن كطالبة وأعدت بحثاً في الضفة الغربية وعملت في القاهرة.. وتقول إنها كأي أميركي يعيش هناك.. ولم تر فيما تقوم به تعارضاً البتة، فهي أثناء فترات حياتها كانت تسمع الكثير وأنها لا تفهم كيف ينعت العالم العربي بالمنطقة الخطرة.. وأثناء تعمقها في فهم العالم العربي شعرت أنه لا بد من تحدي تلك الأفكار والآراء القديمة.. ويقول الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات إنه من غير المعتاد سابقاً أن ترى طالباً يهودياً يدرس الشرق الأوسط في الجامعة أو في الدراسات العليا أو في الزمالة، حتى ولو لفصل دراسي واحد.. ويقول الطلاب الذين يدرسون الآن إن رغبتهم في هذا النوع من الدراسات قد تنامت بسبب إرثهم.. ويشعرون بالرغبة في فهم المنطقة التي تقع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في الخلاف الدائر فيها..


ويقول موريال روثمان، 24 عاما، ولد في إسرائيل وتربى في ولاية أوهايو ودرس العربية في كلية ميدل بري المتخصصة في تدريس الآداب (ميدل بري- فيرمونت): quot;شعرت بالحاجة إلى رؤية فلسطينيين لديهم عاطفة بشرية بشكل كامل ومفصلquot;. وهو يعيش الآن في إسرائيل ويعمل لدى منظمة quot;جست فيجنquot; التي تعد وثائق حول الخلاف الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ويضيف: quot;جزء من اليهودية التي يشكل بقوة صداها داخلي هو أن نحب الغرباء ونتذكر عندما كنا غرباءquot;.. هذا القول بلا شك هو تزييف للحقيقة، فالغرباء هم اليهود المستوطنون الذي حاربوا وطردوا وأخرجوا الفلسطينيين، أهل الأرض الأساسية من أرضهم.. وهنا مشكلة عندما يصل الطلاب لهذا المفهوم ولم يعثروا على الحقائق كما هي، تبقى جهودهم تعاطفاً لا سعياً لإحقاق الحق ومعرفة الواقع والتاريخ.. ويقول التقرير: بعض الأميركيين يذهبون إلى دراسات الشرق الأوسط بسبب أن عوائلهم أتوا من ذلك الجزء من العالم وأنهم يرونه مستقبلاً اقتصادياً واعداً لهم.. ويضيف الأساتذة والطلاب بعداً آخر وهو أن سبب رغبتهم ينبع من اهتمامهم بسياسات تلك المنطقة.. ويقول أسامه آبي مرشد مدير مركز الدراسات العربية العصرية في جامعة جورج تاون: quot;إن ما سمعه من الطلاب ـ على تنوع خلفياتهم ـ أنهم يريدون أن تكون الأمور أفضل.. ويكون العالم أفضل حتى لو كان كل الناس يرون أن هذه فكرة سمجة ومبتذلةquot;. ويصنف التقرير الطلاب اليهود إلى ثلاث فئات: فئة ليبرالية سياسياً، والبعض ملتزمون دينياً، والقليل محافظون دينياً.. وهم بشكل عام يتعاطفون مع وجهات نظرالعرب وينتقدون كلتا السياستين: الإسرائيلية المتمثلة في المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين، وتدخل أميركا في الشرق الأوسط، لكنهم متمسكون بحق إسرائيل في الوجود.. هذه الآراء، كما يقول التقرير، مقبولة في الفصل الدراسي لكنها تقصي أصحابها عن أصدقائهم وتنتقدها عوائلهم الذين لهم آراء وأفكار أكثر قسوةً حول الشرق الأوسط.. أو لا يشعرون بالأمن في الشرق الأوسط.. ويضيف التقرير أن الأميركيين في الوقت نفسه، يعرفون بشكل قاطع أنهم يبقون غرباء وسط العرب، ويقول الطلاب إنهم بعدما ابتهجوا بالربيع العربي شعروا بخيبة الأمل من نتائجه، بما في ذلك تمكين الفصائل الإسلامية.. معظم الطلاب الأميركيين يهود أو غيرهم، يصرون على فكرة شعورهم بالأمن داخل الدول العربية ولكن أحداث العنف الأخيرة قللت من الالتحاق بالبرامج الخارجية لبعض الدول.. ويمكننا القول إنه إذا كان الهدف من هذا التوجه هو كما عبر بعض الطلاب: التعرف على الحقائق لنصرة الحق ورفع الظلم وتكريس العدل عن طريق توعية الرأي العام لتسود القيم العالمية (الإسلامية أصلاً): المحبة والسلام والتسامح والتعاون، فهذا توجه محمود ويجب أن يقابل بتوجه مماثل من العرب والمسلمين.. وإن كان للتعرف على الثغرات والتجاوزات العربية والإسلامية وجمع الشواهد عليها والمحاربة بتلك الشواهد فهو توجه ممقوت.