محمد جابر الأنصاري

لا أميل إلى العنف، وأختلف بشدة مع القائمين به والداعين إليه . ولكن العنف عندما يفرض نفسه على مجتمعاتنا العربية ذات الثقل فلا بد من الاعتراف به .
لقد أدركت الوظيفة التاريخية لما يحدث في البلدان التي اصطلح على تسميتها دول الربيع العربي .
فالوظيفة التاريخية لكل ما يحدث هناك هو صراع الدولة المدنية والدولة الدينية .
ففي مصر، أكثر دولنا عمقاً وتقدماً، تكشفت الأوضاع عن توتر وعنف من قبل الموالين للإخوان يسفر عن قتلى . وفي تونس، أكثر دولنا تقدماً اجتماعياً، ما زال الصراع قائماً بين المعارضة وحزب النهضة الديني الحاكم . وفي ليبيا، يبدو الصراع واضحاً بين الاتجاهين . وفي سوريا، وفيما نتابع كل يوم، يبدو الصراع أوضح من أن نشرحه او نوضحه .
وفي اليمن، يتخذ الصراع أشكالاً مختلفة، لكنه لا يخرج عن كونه صراعاً بين الاتجاهين . هذه دول quot;الربيع العربيquot; .
وفي غير دول ذلك الربيع هناك صراع لا ينكر بين الاتجاهين، إذاً ثمة تجاذب بين اتجاه دولة مدنية واتجاه دولة دينية يؤمن بها أصحابها إيماناً عميقاً . هذان الاتجاهان ظلا مكتومين،
وكان الوجود الأوروبي في البلاد العربية وسياسته يرجح كفة الاتجاه الأول .
لا بد من المرور بما مر به الآخرون . في تاريخ الإنسانية ثمة الوجود الديني ثم جاء تاريخياً الوجود المدني . طبيعي أن يتصارع الوجودان .


وهذا التصارع يتخذ في كل مجتمع الشكل التاريخي الذي نشأ معه . إن الإشكال الأكبر هو أن نصف المجتمع تربى على طريقة معينة بينما تربى النصف الآخر على طريقة مناقضة له . ولا يمكن أن quot;يتعايشquot; الفريقان .
هذا هو جوهر الإشكال . لا يمكن اختراقه أو تجاوزه . لا بد من صراع حتى يحسم طرف ما طريقته وما يريده في 9-9-2010 كتبت بالحرف الواحد: quot;لا يسير قطار التاريخ بالسلاسة والنعومة التي يريدها المثاليون والإنسانيون والطوبائيون ابتداءً من أفلاطون . في تاريخ كل أمة ثمة عنف ما، بما في ذلك تاريخ العرب والمسلمينquot; . يمكن، لحسن الحظ، الاستفادة الكاملة من دروس التاريخ العاقلة، أما quot;غير العاقلةquot;، التي مردها إلى الغرائز العمياء، وكذلك المصالح المتناقضة فليعالجها من يقدر على معالجتها، والتراث الإنساني في التحضير وعلم النفس وعلم السياسة . . . إلخ حافل بمثل هذه المحاولات النبيلة، (إن وجدت) وهي إن ارتبطت بالإنصاف والعدل، وquot;العدل أساس الملكquot; مجدية بلا منازع، والمقاربات السائدة، كما بين دول أوروبا (المتحدة) أصبحت أقرب اليوم إلى المقاربات العقلانية . ولكن قبل الحربين العالميتين في نهاية القرن التاسع عشر، ساد في أوروبا شعور وانطباع quot;متفائلquot; واهم بأن الإنسانية (الأوروبية بالطبع) قد بلغت سن الرشد العقلي المتجاوز للضعف، ثم جاءت الحربان العالميتان، ويكشف الانسان الأوروبي العقلاني quot;المتقدمquot; عن وحش كاسر أخذ يدمر ما بناه هو وأسلافه في أوروبا والعالم من مدن ومكتبات وجسور .


وأصبحت الصورة السائدة في أوروبا، وفي آسيا كذلك، صورة الخنادق المتقاتلة وجنودها الجوعى المدفوع بهم إلى ساحات القتال . وأسهم الطيران quot;الحديثquot; في تدمير المدن الآهلة بالسكان على رؤوس المدنيين، سواء في لندن في بدايات الحرب الثانية أو في (دريسدن) الألمانية في نهايتها . تلك هي الصورة الحقيقية للبشرية، فهل يمكن تجنب العنف في التاريخ؟
الجاري في العالم العربي يسمونه في كتب التاريخ quot;الحرب الأهليةquot; بين العلمانية والدينية .