أحمد عبد الملك
حسب صحيفة laquo;الغارديانraquo; البريطانية يوم 2/2/2013 فإن الشعب السوري منقسم حول فكرة الحوار الوطني -التي طرحها معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف المعارض! وتجلى الانقسام بين رفض فكرة الحوار كلية، وبين الحوار المشروط بشرط أساسي هو رحيل الأسد الذي يعتبرونه المرتكز الأساسي لأي حوار. ورأت الصحيفة أن النظام السوري quot;مازال على عناده، وأن الفرصة لقبول البعض للحوار أو رفضه غير قائمة من الأساس، لأن الأسد لا يستجيب لهذه الحوارات المشروطة وغير مستعد لتقديم أية تنازلاتquot;.
ومن جانب آخر قال المندوب الأممي العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي الأسبوع الماضي quot;إنه غير متفائل بإمكانية التوصل إلى حل سريع للأزمة السورية، وإنه يدرك الصعوبات الراهنة وخطورة انهيار الدول بسوريا، أكثر من إمكانية التوصل إلى وضع حلquot;، وأكد الحاجة إلى قرار واضح من مجلس الأمن لتحديد جدول الأعمال للتوصل إلى حل سلمي للمشكلة.
ويتراءى لكثيرين أن موقف روسيا والصين المعارض للاتجاهات الأخرى في مجلس الأمن هو العصا الوحيدة في دولاب الحوار أو نقل السلطة سلمياً في سوريا! إلا أن المشكلة الأهم في quot;الليونةquot; في مواقف الدول الكبرى، وعدم التحمس لإنهاء مرحلة الأسد وذلك لاعتبارات تختص بأمن إسرائيل، وكذلك عدم quot;الموثوقيةquot; في توجه النظام القادم في سوريا، على اعتبار أن معظم الثورات العربية قد اتخذت المسار الإسلامي -والمؤدلج أحياناً- بعد سقوط الديكتاتوريات العربية في أكثر من بلد عربي. ويربط هؤلاء موقف إسرائيل تجاه سوريا، الذي اعتمد على quot;إيجابيةquot; سوريا منذ حرب عام 1967 واحتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية، التي لم تنطلق منها رصاصة واحدة تجاه إسرائيل. ولو كانت الصواريخ والقاذفات -التي طالت الأطفال والنساء والشباب السوري ودمرت البيوت على أصحابها خلال العامين الماضيين- تم توجيهها لإسرائيل لتحررت فلسطين وعادت الكرامة لهضبة الجولان.
وكان عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري المعارض جبر الشوفي قد أشار إلى أن ما يجري على الساحة الدولية بالنسبة لسوريا هو quot;تجاذب مصالحquot; بين القوى الدولية. وأن quot;الروس يريدون أن يخرجوا أقوياء من الأزمةquot; وأن quot;الأوروبيين والأميركيين أيضاً لهم مصالح في سوريا، لكنهم ليسوا متشددين في بقاء الأسد رغم أن لديهم نفس التخوفات الروسية من أن يقع مستقبل سوريا في يد المتشددين، وأن تعم الفوضى بسقوط الأجهزة الأمنيةquot;.
وأعلن المتحدث باسم الائتلاف المعارض وليد البني يوم 3/2/2013 أن التضحية التي يمكن أن يقدمها الائتلاف هي رحيل رئيس النظام السوري من دون محاكمة، دون أن يستبعد طلب التدخل الأجنبي عبر الأمم المتحدة، مشدداً على ضرورة وجود تفاهم روسي- أميركي حول حل سياسي.
وفي لقائه مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي يوم 3/2/2103 في دمشق قال الأسد: quot;إن سوريا بوعي شعبها وقوة جيشها قادرة على مواجهة التحديات الراهنة والتصدي لأي عدوان يستهدف الشعب السوري ودوره التاريخي والحضاريquot;!
إذن نحن أمام معضلة كبيرة، فالموقف الروسي والصيني واضح، وهو ما عرقلَ العديد من المحاولات الأممية والإقليمية لإنهاء المحنة السورية التي أدت إلى مقتل حوالي 50 ألف مواطن، وتشريد مئات الآلاف في العراء، وسجن أكثر من 150 ألف مواطن، وهدم البنى التحتية للبلاد وتوقف ماكينة الدولة عن الدوران إلا ساحة مواجهة الثوار. ناهيك عن الممارسات الحاطة من الكرامة الإنسانية التي يلقاها المواطنون السوريون على يد الأجهزة الأمنية وقوات الجيش، والتي نشاهدها يومياً على الشاشات.
وهنالك مَن يعتقد أن قبول رئيس الائتلاف الوطني بالحوار مع النظام -الذي فسّرهُ بأنه موقف شخصي- قد تم بدون مشاورة أعضاء الائتلاف، وهذا يُضعف موقف الائتلاف الذي قام على ضرورة إنهاء حكم الأسد، وعدم قبوله نداً على طاولة الحوار.
كما أن وجود النظام البوليسي القوي، حتى مع رحيل الأسد إن تم التوصل إليه، يُعيد سوريا إلى المربع الأول الذي حاولت أن تخرج منه، وسوف تقع على النظام الجديد -إن وجد- مسؤوليات عديدة، لعل أهمها كيفية التعامل مع الجيش والأمن! ولا يجوز حتماً -بعد عامين من العذاب والقتل والتشرد والإهانة وتدمير البيوت، أن يغادر المسؤولون الأمنيون والعسكريون دون محاكمة! بل إن الشارع السوري لن يهدأ -حتى لو رحل الأسد- قبل أن تتم محاكمة هؤلاء المسؤولين عن أعمال العنف التي قوبلت بها المظاهرات السلمية المطالبة برحيل النظام.
المقاربة الإقليمية الأخرى هي العلاقة الوثيقة بين نظام الأسد وإيران وquot;حزب اللهquot;، وهي تضع أية مبادرة للحوار؛ أو حتى انتصار الثورة السورية على المحك. لأن سوريا الجديدة لن تقبل أن تكون معبَراً للمساعدات أو الأسلحة الإيرانية لـquot;حزب اللهquot; في لبنان. ولئن سقط النظام في سوريا ؛ فإن قدر quot;الهلال الشيعيquot; سيكون في يد المجهول، خصوصاً في ظل وجود نظام سنيّ جديد في سوريا. وهذا ما تدعمه دول الجوار ومعظم القوى الدولية.
وبينما لا تتوقف أنهار الدم في المدن والأرياف السورية، ظهر وزير الخارجية الروسي quot;سيرجي لافروفquot; في ميونيخ ليؤكد أن quot;الوضع في سوريا آمن، طالما بقيت أسلحة الدمار الشامل في أيدي الحكومة السوريةquot;، وquot;أنه متفائل ولا داعي للقلقquot;!
ونحن نقول: إن الذي يده في النار غير الذي يده في الماء!
إنها لعبة كبيرة لن يكون الخاسر فيها إلا الشعب السوري؛ الذي تتلقف أقدارَه الأيادي الخارجية، ويتسع عليه الخرق، نظراً لكثرة quot;الراقعينquot; الذين حتى الآن لم يستطيعوا إدخال الخيط في سم الإبرة.
التعليقات