جهاد الخازن

يُمهل ولا يُهمل. هذا ما علمونا صغاراً، وما أرى الدليل عليه كل يوم.

كتبت عن الطائرات بلا طيار التي تشرف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) على عملياتها، وتقتل مع الإرهابيين المحتملين المستهدَفين، المدنيين المسلمين، بموافقة باراك حسين اوباما.

البريد الذي تلقيته من القراء أيَّدني بالإجماع في احتجاجي الشخصي على قتل المدنيين المسلمين الأبرياء، وهو إجماع نادر في ما أتلقى من بريد. ما أزيد للقراء اليوم، هو أنني يوم نُشر مقالي كنت أتابع خبر محاكمة في تكساس للجاويش الأميركي جون راسل الذي انهارت أعصابه أثناء خدمته في العراق فقتل أربعة عاملين ومريضاً في عيادة كان يُعالج فيها، وأصاب جاويشاً أميركياً آخر في وجهه.

أهم من جنون عسكري واحد، أخبار انتحار الجنود الأميركيين العاملين والعائدين من العراق، فسنة 2012 سجلَتْ رقماً قياسياً بلغ 349 انتحاراً، بزيادة 15 في المئة على 2011، عندما انتحر 301 من الجنود. الأرقام كثيرة، وبالتفصيل، والموت انتحاراً بين الجنود السنة الماضية فاق عدد القتلى منهم في المعارك، وفق إحصاءات عسكرية نشرتها laquo;نيويورك تايمزraquo;.

في إسرائيل، وفي الوقت عينه تقريباً، برأت لجنة تحقيق عسكرية جنوداً من تهمة إبادة أسرة من عشرة أفراد خلال هجوم الأيام الثمانية على قطاع غزة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. التحقيق قرر أن الجنود قتلوا ست نساء وأربعة أطفال من أسرة الدلو بطريق الخطأ، ولا يجوز أن يحاكَموا، وهذا مِثل أن يُطعَن رجلٌ في ظهره ويقول المعتدي له: laquo;بردون، لا تؤاخذنيraquo;.

الهجوم قتل 168 فلسطينياً غالبيتهم العظمى من المدنيين، وإذا انتظرنا سنة أو سنتين، فحكومة النازيين الجدد في إسرائيل ستروِّج لرواية أن هؤلاء الفلسطينيين انتحروا، والجنود الإسرائيليين كانوا يسبحون على شاطئ نهاريا... إلا أن ربنا يُمهل ولا يُهمل، وسيعاقَبون على جرائمهم.

وأنتقل إلى بعض المعارضة السورية، وأشدد على أنني أتحدث عن بعضها فقط، فعندما كتبت أن هناك إرهابيين تسللوا إلى صفوف المعارضة، تلقيت بريداً من نوع الإناء الذي ينضح بما فيه، والآن أعلنت laquo;جمعية النصرةraquo; مبايعة الإرهابي أيمن الظواهري، وأريد من الذين أنكروا تسلل إرهابيين إلى صفوف المعارضة أن ينكروا الإرهاب مرة ثانية وهو يرفع رأسه وسط بحر الدماء والدموع في سورية.

كنت قلت دائماً إن هناك معارضة وطنية شريفة وإرهاب مستورَد، والذين أنكروا الإرهاب ضالعون فيه، بتأييده أو التستر عليه.

أفضَلُ منهم القارئ محمد حازم فيصل، الذي كتب بتهذيب، وسأرد عليه بلغته. هو قال: laquo;معذرة ولكنكم، مثقفين وكتّاباً، راهنتم من اللحظة الأولى على قدرة النظام على سحق الثورة في سوريةraquo;.

أنا لا أراهن، ولست وكيل المثقفين والكتّاب، وإنما أتحدث عن نفسي فقط، فأنا لم أراهن على سحق الثورة، لأنني في الأسابيع الأولى كنت أعتقد أن النظام سيجد حلاًّ غير العنف لمشاكله، غير أن الإصرار على العنف وتصعيده جعلني أغير لهجتي تدريجياً. وأطلب من القارئ محمد بتهذيب، أن يؤتيني مما كتبت، وباسمي، ولو سطر واحد أرجح فيه سحق الثورة أو أيَّ كلام قريب من هذا المعنى. هذا لم يحدث إطلاقاً.

أحاول في النهاية أن أخرج من النكد والهم والغم، وأن أجد شيئاً للتسلية مع القراء، فأنا أتلقى كل يوم بريداً إلكترونياً يبلغني أنني ربحت اليانصيب من دون أن أشتري تذكرة، أو أنني ورثت الملايين عن شخص لم أكن أعرف أنه موجود. في الأيام الأخيرة تلقيت رسالة إلكترونية من الآنسة يائيل، التي تصف نفسها بأنها النائب الأول التنفيذي لرئيس بنك إسرائيل الدولي، وهي تريد أن أتصل بها حول laquo;مسألة مهمة جداً ومستعجلةraquo;.

أقول laquo;كان غيرك أشطرraquo;. لا أدري إذا كانت الآنسة والبنك موجودَيْن، غير أنني أقصر مقاومتي على المقاطعة، فلا أكلم أي إسرائيلي خارج جماعة السلام قبل أن تقوم دولة فلسطين المستقلة.