سمير عطا الله
تفقدت جواز سفري البريطاني فلم أجده. قلبت غرفة الفندق واستعنت بجميع الموظفين، ولا جواز، وأنا على سفر عاجل بعد ساعات. معي جوازي اللبناني الذي أدخل به بيروت، ولكن كيف أخرج من مطار باريس وليس عليه تأشيرة فرنسية؟ كيف دخلت ومن أين جئت؟ راودتني جميع الخواطر الخائفة التي تخامر جميع أهل الشرق، ومعها جميع أنواع المخاوف. فجأة تحولت باريس إلى سجن. تصور نفسك ضائعا في إحدى حارات بكين وأنت لا تجيد كلمة صينية واحدة سوى هز الرأس.
شكوت الأمر إلى صديق لي. قال: الحقني. ذهبنا إلى دائرة للشرطة حيث وجدنا شرطيا واحدا وبضع سيدات أفريقيات. قال: ما الخطب يا أخَ العرب؟ قلنا: الجواز، ضاع الجواز، فكيف نسافر؟ قال: املأ هذه الاستمارة ووقعها. ثم وقع هو على نسخة منها. وقال: رافقتك السلامة. قلنا: أهذا كل شيء؟ قال: هذا كل شيء.
بعد ربع ساعة كنا نترك الشرطي الشاب مع الأفريقيات الحاملات وأطفالهن وأجنتهن. لكن صديقي اقترح أن نذهب إلى القنصلية البريطانية لنبلغ عن ضياع الجواز. الحقني. لحقت به. رحب بي موظف الاستقبال كأنني من أقرباء الملكة. ثم أعطاني استمارة أملؤها ففعلت. وسألني: ألا تريد أن تقدم طلبا لجواز بديل؟ قلت: كم يستغرق الأمر؟ قال: يومين. قلت: عندي سفر اضطراري اليوم، وسوف أستخدم الجواز اللبناني. قال: سررنا بمعرفتك.
ذهبت إلى مطار باريس ومعي نسخة عن الجواز الضائع، ونسخة عن تسجيل الضياع في المخفر المليء بالأفريقيات الحوامل، وجواز السفر اللبناني. وقفت في الصف متوجسا؛ هل سوف يُسمح لي بالمغادرة بجواز ليست عليه تأشيرة؟
سألني الشرطي: أين هي التأشيرة التي دخلت بموجبها؟ بدأت أشرح فلم يدعني أكمل: تفضل أسرع لكي لا تتأخر عن طائرتك. فأسرعت. فمضيت غير مصدق أن وظيفة الدول الراقية تسهيل أمور الناس. تخيل هذا الحادث في بلد شرقي وتخيل شرطيا شرقيا وتخيل موظف الجوازات يطلق سراحك من دون أن يحملك مسؤولية الحرب العالمية الأولى وأزمة الركود وارتفاع مستويات البطالة.
الوقوف أمام مأمور الجوازات في الديار العربية مثل الوقوف أمام قاضي الجزاء. الثاني أرحم. في الإمارات وعُمان موظفو الجوازات سيدات، لكي يضمنوا أن المسافر سوف يستقبل وليس سوف يطرد، أن لا يعامل كأنه حامل وباء. إذا لم تكن تحمل جوازاً بريطانياً إياك أن تضيعه. سوف يرتفع في وجهك سور الصين.
التعليقات