عبد العزيز المقالح

ldquo;البوشيةrdquo; نسبة إلى جورج بوش الابن، وهي تصلح من وجهة نظري لتكون مصطلحاً سياسياً جديداً، يجسد مفهوم الفوضى والانفلات والاحتراب، وقد أوحت به إلى جورج بوش نزعته الاستعمارية الجديدة وصليبيته التي لم يكن يخفيها والقائمة على كراهيته للإسلام . وبتطبيق هذا المصطلح انهار العراق العربي ونجحت البوشية في الزج به في ليل من الفوضى طويلة المدى، حيث يصارع فيه الأخ أخاه، والجار جاره، في حين أن كل المتصارعين يدركون عبثية هذا الصراع، وأنه لن يؤدي إلا إلى تدمير إنسان هذا البلد وتفكيك العراق وتمزيق العرى التي كانت تربط بين مكوناته المذهبية والعرقية، تلك التي جعلت له مكانة ومهابة في العالم، وأدت إلى أن يعتز به الصديق ويخافه العدو ومنذ اليوم الأول للغزو الأمريكي المدمر كان واضحاً أن ldquo;البوشيةrdquo; ستتمكن من تدمير هذا البلد العربي ومن تفتيت قواه حتى لا يعود قادراً على أن يعتز به صديق أو يخاف منه عدو . ولم يكن العدو في حالة العراق الموحد القوي سوى الكيان الصهيوني الذي كان يخاف من العراق أكثر من خوفه من بقية الأقطار العربية مجتمعة .

والآن ما الذي يستطيع العرب أن يفعلوه من أجل العراق؟ سؤال الإجابة الجاهزة عنه: لا شيء!! ومن ثم ما الذي يستطيع العراق أن يفعله من أجل نفسه ومن أجل مواجهة ldquo;البوشيةrdquo; وآثارها المدمرة؟ وأخشى أن يكون الجواب أيضاً: لاشيء!! فقد تمكنت ldquo;البوشيةrdquo; بمفهومها الفوضوي من أن تتحكم في عقول أبناء العراق، ونجحت في مسخ وتشويه كل ما كان يجمع بينهم، ولم يعد أمامهم تحت سيطرة الفوضى ونزعة الانتقام سوى طريق واحد هو طريق الموت، والمزيد من الموت . وإذا كانت المعارضة في الماضي تشكو من الإقصاء واستحواذ فئة على السلطة والتحكم في الثروة والنفوذ، فإن ما يحدث الآن ليس سوى نسخ أو إعادة إنتاج ديكتاتوريات أشد وأفظع مما كان يحدث، يضاف إلى ذلك استمرار الفوضى وغياب الأمن والاستقرار والرغبة السادية في القتل والقتل المضاد . واعتبار السلطة غنيمة ldquo;بوشيةrdquo; لإظهار أسوأ ما في إنسان السلطة من غلظة وقدرة على التنكيل بالآخر .

ويستحيل في مناخ كهذا أن يستقيم وضع العراق، بل إن الخطورة الأكبر تكمن في أنه بات يشكل نموذجاً مرعباً لبقية الأقطار العربية التي بدأت ldquo;البوشيةrdquo; تنتشر في ربوعها ممكّنة للفوضى واستجرار الخصومات والأحقاد التاريخية، ولم يبق أمام عقلاء العرب سوى الحسرة بكل ما تمثله من حزن وندم وشعور بالانسحاق والانكسار، وما يقوله الجميع الآن: لقد ذهب العراق ولن يعود . وهناك أقطار عربية أخرى في طريقها إلى أن تذهب إلى غير رجعة، والدليل على ذلك المعالجات الخاطئة التي تتم في عدد من هذه الأقطار التي تنتمي إلى العروبة أو أنها كانت كذلك تدعي الانتماء إليها، وهي الآن تتجه بسرعة الصوت نحو التنافر والتفتت وإطلاق الكراهيات من عقالها، كما أن الوحدة التي كانت تقضّ مضجع الكيان الصهيوني صارت فرقة تبعث السرور إلى قلبه والنوم الهانئ إلى جفنيه .

لكني أعترف أن أحلاماً نقية صافية ماتزال تراودني ومصدرها شباب هذه الأمة الذين لم يتلوثوا بعد بالبوشية، ولم يقعوا في براثن الإحباط واليأس، هذه الأحلام تدفعني إلى التفاؤل وإلى شطب كل المخاوف السالفة، ومن خلالها أكاد أرى العراق وقد تعافى وعادت إلى أبنائه الألفة والثقة بأنفسهم وبدورهم الكبير العظيم في حياة المنطقة والعالم . وأكاد من خلال تلك الأحلام أرى بقية الأقطار العربية وقد استوعبت مخاطر ldquo;البوشيةrdquo; وعاد أبناؤها إلى التفكير في الغد بدلاً من الانكفاء على الحاضر ومشاهده المؤلمة الفاجعة .