خليل حسين

ثمّة حراك غير طبيعي قام به رئيس الوزراء ldquo;الإسرائيليrdquo; بنيامين نتنياهو مؤخرًا باتجاه موسكو، واللافت في الزيارة توقيتها المفاجئ آنذاك، في وقت كانت الأزمة السورية في أوج تفاعلاتها، ما طرح جملة أسئلة مخفية القُطَب رغم عدم سرية المحادثات وأهدافها المعلنة أساساً . لقاء نتنياهو - بوتين كانت واضحة أهدافه العسكرية .

إن القراءة التقنية العسكرية للصواريخ تظهر أهميتها كسلاح وصول صواريخ ldquo;إس . إس 300rdquo; إلى سوريا، ورغم تباين المواقف فثمّة قراءة مختلفة لما جرى من نتائج محتملة، أبرزها عودة دبلوماسية الصواريخ إلى الواجهة لأهداف سياسية لا لكسر التوازن الإقليمي الذي تتمتع به ldquo;إسرائيلrdquo; عملياً، فهي صواريخ تضاهي تقنياتها صواريخ الباتريوت الأمريكية، وهي قادرة على اعتراض الصواريخ والطائرات لمسافات تصل إلى مئتي كيلومتر، علاوة على رؤوسها المتعددة التي تصل إلى ستة، ولديها أيضاً غرفة تحكم وسيطرة وإمكان لتغيير الاتجاه للتعامل مع الهدف . وهذا ما يفسر الاهتمام ldquo;الإسرائيليrdquo; بمنع وصول هذه المنظومة إلى دمشق، الذي سبقه أيضاً موقفان مماثلان من الولايات المتحدة وبريطانيا .

إن حصول سوريا على هذا النوع من الصواريخ الاستراتيجية يقلص الفجوة التقنية بينها وبين ldquo;إسرائيلrdquo;، وبالتالي سيعقد من مهمة استهداف القوات السورية جواً، وتصبح أي عملية عسكرية جوية شبيهة بالسيناريو الليبي أو كما يميل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى سيناريو كوسفو، مكلفة بشرياً ومادياً .

وعلى الرغم من هذه المواصفات التقنية العالية التي تبدو خلفياتها عسكرية بحتة، فإنّ ثمة سوابق مماثلة اعتمدتها موسكو في هذا المجال، وتبين أن أهدافها دبلوماسية سياسية منها الضغط على واشنطن وغيرها في المنطقة لتغيير مواقفها من الأزمة السورية، ومحاولة المضي في معالجتها وفقاً للقراءة الروسية .وما يعزز هذه القراءة ما تعاملت معه موسكو قبل أشهر عندما نشرت الولايات المتحدة صواريخ باتريوت على الأراضي التركية في سياق الأزمة السورية وفسرتها موسكو آنذاك أنها موجهة إليها وإلى طهران .

طبعاً إن المعلن من أهداف صواريخ ldquo;الباتريوتrdquo; آنذاك هي واقعية من الناحية العملية، لو حُصر الموضوع في النطاق السوري تحديداً، لكن الأمر يتعدى نطاق الجغرافيا السياسية للأزمة السورية إلى المدى الحيوي الأوسع الذي يشمل طهران وموسكو أيضاً، بخاصة ما أثير سابقاً عن موضوع نشر الدرع الصاروخية ضمن حلف الناتو كمظلة أمنية أوروبية بمواجهة الدور الروسي المتنامي، وعودته إلى الساحة الدولية بقوة في إطار مشروع بوتين الأورو-آسيوي . علاوة على تصاعد التوتير الإيراني - ldquo;الإسرائيليrdquo; على قاعدة البرنامج النووي، وما تم من حرب بالواسطة كان قصف ldquo;إسرائيلrdquo; لمصنع اليرموك في السودان مؤخراً .

إن ما يجري من محاولة نشرٍ للصواريخ ونشرٍ مضاد لها، يعني في علم الأزمات الدولية، أن ثمة استعداداً للتصعيد لدى أطرافها، وهذا لا يعني بالضرورة الوصول إلى مواجهات عسكرية مباشرة، وإنما من ضمن السيناريوهات المحتملة إعادة تموضع سياسي بشروط التسوية التي يمكن أن تكفل مصالح أطراف الأزمة المحليين والإقليميين والدوليين، وهذا ما يحاول كل طرف الوصول إليه منذ اندلاع الأزمة السورية .

ربما أن الوضع القائم حالياً، قد كوّن بيئة قابلة للبناء عليها واستثمارها مستقبلاً، فالحلول الأمنية والعسكرية هي عملياً مقفلة ومن الصعب التوصل عبرها إلى حل ما، ما يعني ضرورة الولوج بحلول تسووية تدار آلياتها ووسائلها على طريقة إدارة الأزمة بالأزمة، وهي من الطرق الفاعلة والمجربة بين موسكو وواشنطن في عقود الحرب الباردة سابقاً، ومن الواضح أن بؤرة الأزمة الحالية وتفاعلاتها تشير إلى لجوء الطرفين إلى مثل هذه الوسائل .

لقد سعت ldquo;إسرائيلrdquo; قبل عامين إلى ثني موسكو عن بيع هذه المنظومة إلى إيران، فهل تنجح في الأمر نفسه مع سوريا؟ ثمة من يقول إن العلاقات الروسية ldquo;الإسرائيليةrdquo; هي أقوى من مثيلتها الروسية السورية، رغم تباين المصالح والرؤى في بعض ملفات المنطقة، وهو أمر واقعي إلى حد كبير بالنظر إلى البراغماتية الروسية التي تتعامل بها مع مطلق أزمة إقليمية ودولية بعيداً من المبادئ والأيديولوجيات التي كانت تسكن عقول وسلوك قادة الاتحاد السوفييتي السابق .

إن التدقيق في السلوك الروسي لإدارة الأزمة السورية يعزز فرضية المناورة والمساومة التي تجيدها موسكو في تلك الحالات، وبصرف النظر عن إمكان أو عدم إمكان تراجع موسكو عن نشر هذه المنظومة على الأراضي السورية، فهي بالتأكيد سوف تكون تحت إدارتها ونظرها مباشرة، وبالتالي هي وسيلة لإعادة تموضع روسي في المنطقة لحسابات دبلوماسية لا لاستعمالات عسكرية، والسوابق في هذا الاتجاه كثيرة . والواضح حتى الآن أن موسكو أجادت وبشكل بارع استعمال دبلوماسية الصواريخ كمدخل آمن إلى مناطق تعتبرها حيوية بالنسبة إليها .