تامر الصمادي

لتفادي انهيار الاقتصاد، يتجــه رئيــس الحكــومة الأردنية عبدالله النسور إلى اتخاذ قرارات صعبة خلال الفترة المــقبلة، تبدأ برفع أسعار الكهرباء وقد لا تنتهي بإلغاء الدعم التدريجي عن الخبز وسلع أساسية أخرى، لضمان الحصول على قرض مالي مشروط يقدمه صندوق النقد الدولي بقيمة ملياري دولار.

لكن هذه القرارات التي لم تعلن بعد، تشير إلى متاعب عميقة قد يواجهها النسور خلال الفترة المقبلة، وهو ذو عقلية اقتصادية، تلقى تعليمه لدى الولايات المتحدة وفرنسا، ولم تتلطخ سمعته باتهامات الفساد.

ويعد التحدي الأبرز أمام الحكومة الغارقة في تعقيدات الملفات الاقتصادية والسياسية، في أعمال العنف الدموية، التي تعيشها مدينة معان جنوب الأردن منذ 4 أيام، حيث أضرم متظاهرون النار بمقار حكومية وسيارات عامة وخاصة، احتجاجاً على مقتل شابين مطلوبين الأسبوع الماضي برصاص الشرطة (وفق الرواية الرسمية)، ما دفع الحكومة لإرسال تعزيزات أمنية مكثفة إلى المدينة الصحراوية.

واتخذ النسور سابقاً قرارات عدة برفع أسعار الوقود، ما أشعل اضطرابات عنيفة استمرت أياماً، داخل مناطق الريف، التي تضررت نتيجة إلغاء الدعم. وأكد النسور أن تحولاً من نظام الدعم الواسع إلى نظام الدعم النقدي يستهدف الفقراء، سيوفر المزيد من أشكال المعونة الفعالة، وهو الخيار الوحيد لتجنب أزمة مالية، كما قال.

وفيما يواصل النسور التحضير لتلقيم الشعب وجبة جديدة من رفع الأسعار، تتعالى أصوات تتهمه بالقصور عن معالجة الوضع الحرج داخل المدينة الجنوبية المشتعلة. وقد توقفت حركة العمل وأغلقت المدارس والمخابز والصيدليات، بعد أن أعلن مواطنون غاضبون العصيان المدني المفتوح، وطالبوا بإقالة الوزارة.

وقالت مديرية الأمن العام الأردنية إن القتيلين laquo;مطلوبان خطران قتلا إثر اشتباكات مع الشرطة تلت اقتحامهم محاجر لدى محافظة العقبة الجنوبيةraquo;، لكن مقاطع فيديو تداولها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت قيام أشخاص بقتلهم والتمثيل بجثثهم على خلفيات ثأرية.

وكانت جامعة laquo;الحسينraquo; الحكومية في معان شهدت قبل شهر أعمال عنف واسعة قتل فيها 4 شبان وجرح عشرات إثر نزاع دموي بين طلاب يمثلون عشائر معان وآخرين يتحدرون من الصحراء الجنوبية، يمثلون عشائر الحويطات القوية.

وما من شك في أن ما تشهده معان يعكس أزمة متراكمة بين الدولة والمجتمع، تغذيها حال الاحتقان غير المسبوقة، بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية.

وقال الكاتب الصحافي ياسر أبو هلالة الذي يتحدر من المدينة ذاتها لـ laquo;الحياةraquo; إن تفاقم العنف داخل معان وسقوط مزيد من الضحايا laquo;سيعطي الأمر طابعاً مختلفاً، وعندئذ لن نتحدث عن مصير الحكومة، إنما مصير الدولة ومستقبلهاraquo;. ورأى أن معان تعيش احتجاجاً عميقاً laquo;انتصاراً لكرامة مواطنين قتلا ومثل بجثتيهما، وسط ارتباك رسمي عبرت عنه بيانات متضاربة للأجهزة الأمنية...raquo;.

وأضاف: laquo;شهدت المدينة الجنوبية خلال السنوات الماضية حوادث دموية قتل فيها مواطنون على أيدي رجال الشرطة، ولم يخضع المسؤولون لمحاسبة مقنعة أمام الرأي العامraquo;.

واستطرد : laquo;هناك علاقة غير صحية تربط الدولة بالمجتمع، وسبب ذلك أن المؤسسة الأمنية لا تراعي حقوق الناس، إضافة إلى وجود عصابات منظمة تحترف تجارة السلاح وبيع المخدرات داخل المدينة وخارجها، فيما الجهات المسؤولة تعجز عن ردعهاraquo;. وأكدت الحكومة أمس أنها laquo;لن تتسامح مع أي عمل إجرامي مهما كان المصدرraquo;. وكشفت تلقيها أوامر ملكية تفيد بأن بقاء الوضع على حاله laquo;غير مقبولraquo;، وأن على الدولة laquo;فرض هيبتهاraquo;.

وتعتبر معان معقلاً قبلياً يسكنه حوالى 60 ألف شخص، وتقع على بعد حوالى 250 كيلومتراً جنوب عمان، ويعرف عنها تحديها للسلطة المركزية.

وكانت المدينة التي تعاني الفقر مسرحاً لاضطرابات عشائرية شابتها أعمال عنف خلال السنوات الأخيرة، وينشط بين سكانها إسلاميون متشددون يحملون الأسلحة ويقاومون ضغوطاً لإلقائها. ويقول محللون إن انكماش الاقتصاد يصعب على الحكومة تلبية مطالب أهالي المدينة الساعين لوظائف حكومية، مع نقص المساعدات الأجنبية وإيرادات الضرائب.

وتمسك النسور على مدى الأسابيع الماضية بقرار رفع أسعار الكهرباء، على أن يدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، لكن قيادات فاعلة داخل الدولة أكدت خطورة الإقدام على مثل هذا القرار حالياً، واقترحت تأجيله إلى ما بعد شهر رمضان، على ما أفاد مساعدون حكوميون لـ laquo;الحياةraquo;.

وأكد هؤلاء أن ثمة مساعيَ تبذل لتثبيت سعر الكهرباء لشرائح الاستهلاك الدنيا (الطبقات الفقيرة)، في محاولة تهدف، كما يبدو، إلى امتصاص رد فعل صاخباً ومتوقعاً لدى الشارع.

وأصدر صندوق النقد وثيقة مهمة الأسبوع الماضي، طالبت الحكومة بمواجهة التهرب الضريبي (الذي يبلغ حوالى مليار دينار أردني)، وخفض الإنفاق العسكري، لوقف النزف الحاد في الموازنة.

وتؤكد المؤشرات، أن رئيس الحكومة الذي تجاوز العقد السابع منذ سنوات، بات مكشوف الظهر خلال الأسابيع والأيام الماضية، حيث تخلت عنه مراكز قرار نافذة، لا سيما داخل المؤسسة الأمنية.

ودخل الرئيس في معارك طاحنة وغير معلنة مع مراكز قرار حساسة، بعد أن استرسل في إطلاق تصريحات وأحاديث صحافية، قال فيها إنه يتمسك بحقه في اختيار الوزراء، وإن المؤسسات الرسمية لم تفرض عليه أي أسماء لتولي الحقائب.

ثقة النواب

وعلمت laquo;الحياةraquo; أن التعديل الوزاري الذي تبناه النسور أخيراً بات مؤجلاً حتى إشعار آخر، والسبب أن مصير الحكومة قد يخضع لمراجعة عميقة، على وقع تغييرات داخلية وخارجية متسارعة. كما علمت أن بعض رجالات الدولة طالبوا مؤسسة القصر الملكي بإعلان حكومة حرب تتصدرها شخصية عسكرية مرموقة، لمواجهة تطورات الوضع السوري.

وقال رئيس البرلمان الأردني سعد هايل السرور في تصريحات بدت لافتة خلال الساعات الماضية، إن حكومة النسور laquo;ستكون في مهب الريح إذا ما اتخذت إجراءات تخسر معها ثقة النواب أو الشعب، خصوصاً ما يتعلق بالأسعار أو الدعمraquo;.

ويعتبر السرور أحد أركان دائرة الحكم الضيقة، وهو محسوب على التيار المحافظ داخل الدولة، ومحيط بالقصر الملكي.

ولا تستبعد أوساط رسمية إطاحة الحكومة عبر البرلمان، إذا ما أصر الرئيس على قرار رفع الأسعار.

لكن الهاجس الأكبر بالنسبة للدولة يقفز إلى أبعد من ذلك، وهو سيناريو أكثر خطورة، يتمثل في رد فعل الشارع، الذي لا يمس مصير الحكومة فقط، بل يطاول شرعية الدولة ومؤسساتها، وفق قريبين من صنع القرار.

ويواجه النسور تحدياً من نواب منحوه الثقة طمعاً بالحقائب، وهو الخيار الذي رفضه العاهل الأردني أخيراً، خشية انهيار البرلمان الذي لم ينشأ على أسس حزبية أو برامجية، خصوصاً مع مقاطعة المعارضة الإسلامية الانتخابات، احتجاجاً على طبيعة الإصلاحات المقدمة.

لكن الهاجس الأكبر لدى النواب، يتمثل في مدى إرضاء الشارع الذي لا يهدأ عندما يتعلق الأمر برفع الحكومة الأسعار.

ويقول الكاتب والمعلق السياسي فهد الخيطان لـ laquo;الحياةraquo; إن مصير حكومة النسور laquo;معلق على قرار رفع الكهرباء، ومدى قدرتها على إقناع اللجان النيابية داخل البرلمان بضرورة تمرير القرارraquo;.

وأردف laquo;إذا ما فشلت الحكومة بإقناع الجميع، وجوبهت باحتجاجات عارمة، وهو أمر متوقع، فالأرجح أن تتم التضحية بها عبر إطاحتهاraquo;.

ورأى الخيطان أن ممارسة ضغوط تقليدية على النواب laquo;ستكون محدودة هذه المرة... البرلمان لن يغامر بالشارع، ولن يكون كبش فداء كما حصل مع برلمانات سابقةraquo;. ويواجه النسور تحدياً إضافياً من جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;، كبرى جماعات المعارضة الأردنية، إضافة إلى حلفائها داخل laquo;الجبهة الوطنية للإصلاحraquo;، التي تضم قيادات عشائرية وعلمانية، ويتزعمها رئيس الوزراء ومدير الاستخبارات السابق أحمد عبيدات.

وقال عبيدات قبل أيام إن تلاشي الحراك الشعبي laquo;أمر غير منطقي...raquo;، متوعداً بموجة احتجاجات جديدة.

وقد دخلت الحكومة يوم أمس فقط في معركة جديدة مع الإعلام، بعد أن قررت حجب 291 موقعاً إخبارياً محلياً، بحجة عدم حصولها على التراخيص اللازمة، في خطوة فاجأت الكثير من المؤسسات المحلية والدولية المعنية بحرية الصحافة.

وقال رئيس مركز laquo;حماية وحرية الصحافيينraquo; نضال منصور إن هذا القرار laquo;لن يمر مرور الكرامraquo;، مضيفاً أن القمع في الأردن laquo;يجري بقوة القانونraquo;.

ولا يقرأ مصير الحكومة بمعزل عن تطورات الوضع السوري، حيث يخشى الأردن، وفق سيناريوات داخلية غير معلنة، نشوب حرب عالمية ستترك أثراً كبيراً عليه. كما يخشى أن يصل عدد اللاجئين السوريين على أراضيه إلى 3 ملايين، إذا ما انهار الوضع كلياً داخل جارته الشمالية.

وتكشف أوساط رسمية لـ laquo;الحياةraquo; أن التطورات المتلاحقة في الملف السوري laquo;دفعت أقطاباً مؤثرة داخل الدولة إلى المطالبة بإقالة الحكومة الحالية وإعلان حكومة حرب في أسرع وقت، لمواجهة آثار الكارثة السورية، التي تتوقعها المملكةraquo;.

وقال ماهر أبو طير الذي عمل مستشاراً لدى حكومات سابقة، ويعتبر من أبرز المحيطين بصنع القرار إن الحديث الدائر داخل الغرف الرسمية المغلقة laquo;يشير إلى ضرورة تكليف شخصية عسكرية مرموقة إدارة أمور البلاد... وقد تتضح آفاق هذا الخيار في غضون الأيام المقبلةraquo;.