أحمد الشرعبي


إعفاء الحكومة من الرقابة والمساءلة، ومحاولات التأثير على حق رئيس الجمهورية في إقالتها يطلق يد الفوضى ويضع المبادرة الخليجية أمام طريق مسدود، وهو ما يدعو الأشقاء والأصدقاء لتدبر الأمر بروية وبعد نظر

أن تدار حكومة بآليات صراع وأجندات ضغائن، أو يتحرك دولابها عبر المزاج.. ويصبح لكل ذي حقيبة وزارية حق الاجتهاد في تقرير مصائر المرافق العامة ومنح الحقوق العادلة أو منعها وفق ما تجود به أريحيته، أجل.. أن يحدث ذلك ثم لا نتوقع انهيارات تهدد السكينة العامة وتدمر اقتصادات المجتمع وقيمه، فسيأتي الخراب على كل شيء وأي شيء. وفي مثل هذه الحالة يصبح التعويل على يقظة الشعوب أو الرهان على المبادرات الإقليمية والدولية ضرباً من العبث الذي لا طائل منه.
وفي اليمن، فإن توجهات الحكومة اليمنية لا يجري وضعها على قاعدة المصالح العامة ولكن بواقع العلاقات الشخصية والمصالح الحزبية بصورة فاقت أخطاء وخطايا الماضي، وفي آخر صيحة أطلقها أحد الأقطاب السياسية المشاركة في التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الدكتور ياسين سعيد نعمان وسمع المجتمع دويها بحسرة وألم عند مقارنته بين الفساد قبل ثورة التغيير وبعدها، فقد كان الفساد بالأمس يقترف بقدر من الحذر والحشمة، أما اليوم فيمارس علانية ودون حياء، وزاد على ذلك بالدعوة إلى فتح تحقيق في قضايا الفساد وخطف الوظيفة العامة، وجاءت هذه التصريحات الشجاعة رداً على حملة هستيرية شنها نشطاء ينتمون لتجمع الإصلاح وجناحه الديني المتشدد استهدفت الحزب الاشتراكي وبعض ممثليه في حكومة الوفاق الوطني.
ولا شك أن الأداء الحكومي المتسم بالضعف والارتباك قد عكس نفسه على مجريات الأوضاع الداخلية ومستوى علاقات اليمن بالدول والمنظمات المانحة، وأدى في جانب آخر إلى حالة انكفاء سياسي ونفسي لدى قطاعات عريضة من النشطاء الشباب والمثقفين والمستقلين صناع الزخم الثوري الذي شهدته البلاد عامي 2011- 2012 وأفضى لنقل السلطة وتخلي الرئيس السابق عن معظم ركائزها ..
وتنبئ المشاعر المنكسرة لدى هذه الشرائح بخريف ساخن تتفاعل احتقاناته وتتشكل ملامحه وتضاريسه وطقوسه بطرق متعددة، ومن غير المستبعد مبادرة الحكومة باجتراح سبب يذكي اللهب ويجمع شمل المغبونين حول عناقيد ثورة يسهر بعض شركاء المحاصصة الحزبية على أضمارها في كل بيت ومدينة وزقاق.
وكما انتقلت رياح التغيير من تونس إلى مصر فاليمن، فإن إعصاراً عكسياً يستطيع الانتقال من تركيا إلى هذه البلدان، ولهذا فمن مصلحة القيادات السياسية المعتمدة نهج الاستقواء والإقصاء التوقف عن نهم الاستحواذ وعدم الإفراط في التذاكي على الشعوب والاعتقاد بسعادتها الغامرة بوهم الحصول على تذاكر عبور إلى الجنة مقابل الصبر على مصادرة الأقوات، إذ لا توجد مكاتب عقارية تقيمها الأجرام السماوية على ظاهر الأرض، وهنا ليس إلاّ قول واحد.. الناس أدرى بشؤون دنياهم.
وفي حال اليمن أيضاً لا مبرر جوهري يستدعي إعاقة الإرادة الشعبية مجسدة بالرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي أو موازاتها بالتوافقات الحزبية المعبر عنها بحكومة الأستاذ محمد سالم باسندوه..
فمتى عجزت هذه الحكومة عن القيام بواجباتها تجاه الشعب اليمني فإن واجب رئيس الجمهورية المنتخب اتخاذ القرار الحاسم بشأنها دون الحاجة للتذرع بالمبادرة الخليجية لأنها، كما نفهم أو بالأحرى كما هي مقاصد الأشقاء والأصدقاء، جاءت لمصلحة اليمن وشعبه لا لتوفير محميات حزبية تتقاسم السلطة وتنتزع مشروعيتها السياسية من المخاوف والحروب.
وبهذا الصدد نسأل إن كان ثمة أصابع خفية تعمل على تفخيخ المبادرة الخليجية وتحويلها إلى وثيقة حق يراد به باطل، فكلما أنّ الناس سبقهم رئيس الحكومة بالبكاء!! هذه متاحات رجل يصلح رئيسا لوزراء الدنمارك أو حاكماً لمدينة هليوود! تجلس إليه فيوسعك حكمة ونصحاً ويرهف سمعك بالمعلقات السبع ويردفها بمقاطع نزارية أنيقة.. حسنا لا عيب في هذا ولكن خطوط الكهرباء تضرب والمرضى يموتون في غرف الإنعاش..! قد يكون ممكناً الذهاب إلى مقيل الأستاذ رئيس الوزراء ومنتداه المخملي العامر لتسترخي الأعصاب المتشنجة وتروض الانفعالات النزقة، لكن المقيل لا يتسع 25 مليون نسمة من أبناء اليمن. يلزمهم القليل من ضرورات العيش الكريم والحياة الآمنة والرزق الحلال، ثمة ما يحملنا على الاكتئاب، فلمصلحة من تتدفق الكميات الهائلة من السلاح؟ وهل ما ينقص اليمنيين هو أدوات الموت.. وما مصلحة إيران وتركيا من إغراق البلاد بالأسلحة الصامتة والعبوات اللاصقة؟ وماذا أبقينا لحكومة الوفاق والمبادرة الخليجية والحال على هذه الشاكلة؟!
إن إعفاء الحكومة من الرقابة والمساءلة، ومحاولات التأثير على حق رئيس الجمهورية في إقالتها يطلق يد الفوضى ويضع المبادرة الخليجية أمام طريق مسدود، وهو ما يدعو الأشقاء والأصدقاء لتدبر الأمر بروية وبعد نظر قبل استفحال المشكلات الراهنة ووصولها مرحلة الاستعصاء.