فاتح عبدالسلام


مهما سيحدث في مصر من تطورات بعد هذا النفير العام في الشارع، فإنَّ هناك ما يجعل مصر بلداً عربياً مختلفاً عن سواه بامتياز، حيث تقف القوات المسلحة كمرجعية وطنية عالية الهمّة والتقدير لا تشبهها أية مرجعية سياسية أو قبلية أو طائفية أو سواها في دول عربية أخرى، يمكن أن تحفظ البلدان من الانهيار الداخلي.
الجيوش العربية الكبيرة بشكل تقليدي عبر أكثر من نصف قرن، هي جيوش مصر والعراق وسوريا. غير إنَّ الجيش المصري وحده ظلَّ محافظاً عن بنيته وهويته الوطنية الضامنة لحقوق البلاد والشعب معاً في وقت الأزمات وظلَّ رقماً لا يقبل القسمة على اثنين.


في العراق خضع الجيش في أيام النظام السابق لسيطرة المكتب العسكري لحزب البعث وقرار الرئيس فقط. ولم يستطع الجيش في العراق بعد إعادة تشكيله من بقايا المليشيات ان يضطلع بدور يرتقي إلى مستوى الأزمة السياسية المزمنة في العراق بعد الانتخابات قبل ثلاث سنوات، أو إلى مستوى قيام تظاهرات سلمية في ساحة التحرير جرى تمزيقها بالسكاكين. فضلاً عن الجيش في العراق كان وليداً مشّوها في ملمح وخديجاً في ملامح أخرى من رحم الحكمين المدني والعسكري للأمريكان عند احتلالهم العراق لأزيد من ثماني سنوات. ولا يزال الجيش يتصدر قائمة المداهمات في المدن ومهاجمة الاعتصامات وهي من المهمات المعيبة والمخزية.
أمَّا في سوريا فالجيش برغم عراقته كان أداة في يد سلطة الفرد دائماً وتورط في أدوار غير نظيفة تماماً في لبنان على سبيل المثال وكذلك داخل سوريا قبل أن يتمرد قسم منه انسجاماً مع انتفاضة السوريين السلمية أوّل مرّة ضد حكم الفرد والحزب الواحد وغياب التعددية والسلطة الأمنية.
في مصر أيضاً، الجيش بناء خاص لم يستطع حسني مبارك أن يدجنه وبقي نبض الشعب، جيش لا يهمه رضا الرئيس أو سخطه إذا تهددت ذرة من تراب الوطن أو قطرة دم لمواطن .. مصر برغم نكساتها وأزماتها واضطرابها، تؤكد في هذه الساعات إنّها الأكبر عربياً في أشياء كثيرة لا يمكن عدها بسهولة.
في مصر هناك اطمئنان من إنَّ الجيش لن يبيد الغاضبين في الشارع كما يفعل الجيش بسهولة وبدم بارد في العراق وسوريا. هذا هو الفرق بين دول تنتمي إلى العصر الحديث وتستحق حمل قيمه النبيلة وبين دول ضائعة في أحراش الماضي وأدغال الجيران المظلمة.