عبد الله بن بجاد العتيبي


قام الجيش المصري بعزل الرئيس السابق محمد مرسي بعد مهلة منحه إياها، وغصت الميادين بالجماهير تهتف من جديد laquo;الجيش والشعب إيد واحدةraquo;، والذي اختلف هذه المرة هو موقف الإدارة الأميركية التي كانت في يناير (كانون الثاني) 2011 تسابق الجماهير، وها هي تأخذ موقفا أكثر ريثا وتؤدة تجاه laquo;الإخوان المسلمينraquo; الذين أخذوا بدورهم موقفا تصعيديا يشي بزيادة الانقسام الذي أحدثوه في مصر، ويحذر من عنف سيدبر، ودماء ستراق.

إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تسمِّ ما جرى laquo;انقلابا عسكرياraquo;، ولكن إدارته laquo;أكدت أهمية العودة السريعة والمسؤولة للسلطة، كاملة، لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا في أقرب وقت ممكنraquo;.

لقد كانت الإدارة الأميركية السابقة أكثر وضوحا في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد اعتبرتها جماعة أصولية، ووصف الرئيس السابق جورج بوش الابن laquo;يوسف نداraquo; وزير خارجية laquo;الإخوانraquo;، كما يحب أن يصف نفسه، وأحد حمائم laquo;الإخوانraquo; المخلصين، بأنه laquo;رئيس بنك القاعدةraquo;، كما قال نيوت غينغريتش المرشح الرئاسي السابق ورئيس مجلس الشيوخ السابق أيضا في فبراير (شباط) 2011: laquo;(الإخوان المسلمون) عدو لدود لحضارتناraquo;.

تاريخيا، فالموقف الأميركي من جماعة الإخوان المسلمين تأرجح كثيرا بين اتصالات خفية طالت لعقود وكانت بين شد وجذب، ومع الفشل الذريع في حكم laquo;الإخوانraquo; لمصر فقد سقطت عمليا نظرية أوباما في أن تسليم السلطة لجماعات الإسلام السياسي هو الطريق للقضاء على العنف ونشر الديمقراطية، والوقائع والأحداث منذ عام، بل أكثر من عام، مع موقف أوباما نفسه من إسقاط مرسي خير دليل على الاعتراف بفشل تلك النظرية.

مصريا، ورغم أهمية الحدث فإن السياق العام لم يتغير كثيرا، إنها الفوضى تحكم أظفارها، والموازنات تعيد ترتيب نفسها. إن الفوضى أقوى من أي تيار أو حزب أو فصيل سياسي أو اجتماعي أو شعبي، إنها حين تنتشر وتتفشى وتشعر بالانتشاء من دون قواعد عقلية مستقرة تحكم الأفراد قبل المجموع، أو خطاب حضاري متطور، لا تؤدي إلا إلى المزيد من الخراب.

إن من الجيد والمفيد رؤية الخطاب الإخواني وتجربة الإسلام السياسي في الحكم تتهاوى في عقر دار جماعة الإخوان المسلمين بعد أقل من سنة من حيازتها للحكم. وأن يتحد الشعب والجيش في رفض ممارساتها الاستحواذية والمراوغة، الاستحواذية في محاولات السيطرة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، والمراوغة في التناقض الصارخ في المواقف الخارجية تجاه إسرائيل، حيث laquo;الصديق العزيزraquo; والأزمة السورية، والداخلية حيث تلاعبوا بالجماعات الإسلامية المتطرفة، فيقدمونها حيث يحجمون، ويؤخرونها حيث يقدمون.

نعم، يمكن القول بأن laquo;الإخوان المسلمينraquo; قد منوا بهزيمة تاريخية لا لتنظيمهم الأم والتنظيمات الفرعية فحسب، بل لفكرهم وآيديولوجيتهم برمتها، وهم نجحوا في سنة واحدة في جمع كل ما يمكن من عداوات الداخل والخارج.. الداخل، في عداوة مؤسسات الدولة كالجيش والشرطة التي يفترض أنها تابعة لهم في السلطة التنفيذية، وكذلك فعلوا مع مؤسسة القضاء ومع الفرقاء السياسيين، ومع مؤسسة الأزهر، ومع الكنيسة، ومع التيارات الشبابية.

وفي الخارج، فقد عادوا الدول العربية، وبخاصة دول الخليج، كما عبروا عن عداء مستحكم تجاه الملف السوري، حيث انحازوا لجانب النظام ولجانب إيران، ثم انقلبوا فجأة وبشكل دراماتيكي بما لا يشي بأي تفكير استراتيجي، وخارجيا كذلك نسوا البعد الطائفي، فانحيازهم الآيديولوجي لإيران ومشروعها السياسي الذي طالما تغنوا به أضر بهم، حيث لم تحتمل مصر بثقلها الاستراتيجي في المنطقة أن تتحول إلى خاتم صغير في الخنصر الإيراني.

لقد قرر laquo;الإخوانraquo; المواجهة والتصعيد، وكان خطاب المرشد العام محمد بديع يوم الجمعة الماضي في أنصاره في laquo;رابعة العدويةraquo; مليئا بخطاب العنف التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين، فمفرداته والنصوص الدينية التي انتقاها والشعارات التي رفعها كلها توحي بتحضير لمواجهة عنيفة وتصعيد دموي.

إن الموقف الإخواني يؤكد خطأ بعض المثقفين الذين رأوا أن الإسلام السياسي يمثل خطابا منفتحا ومتسامحا مقارنة بالسلفية، وأن laquo;الإخوان المسلمينraquo; كانوا قد تخلوا عن خطابهم التاريخي وأصبحوا ديمقراطيين أكثر من الشعوب والأحزاب الغربية.

من المهم التنبه إلى أن فشل laquo;الإخوانraquo; وإسقاط دولتهم لا يعني انتهاءهم وخروجهم من المشهد في المرحلة المقبلة، فهم لم تزل لديهم قاعدة شعبية موالية، وهم منظمون جدا وقادرون على تحريكها في أي انتخابات مقبلة ما لم تتخذ إجراءات قانونية تحد من شعبيتهم المتناقصة ولكن ليس المنتهية، وأكثر من سيضر بمثل هذا السيناريو هم laquo;الإخوانraquo; أنفسهم عبر انحيازهم للعنف.

سهل جدا على جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المؤيدة لها أن يعودوا لمرابعهم القديمة ولخبرة عقود وعقود في صناعة العنف والتفجيرات والاغتيالات والتخريب بوجه عام، فالطبع يغلب التطبع، وبخاصة في أجواء فوضوية ملتهبة يعتقدون أنهم مضطهدون فيها ويشحنون أتباعهم غضبا وحقدا عبر آليات دعائية وآيديولوجية جربوها سنين طويلة، ولا يوازي نجاحهم فيها تاريخيا إلا فشلهم في قيادة الدولة سياسيا.

لم تكتمل الصورة بعد، ولكن نتائج العنف حتى ليلة السبت الماضي (حين كتابة هذا المقال) قد بلغت للأسف الشديد 17 قتيلا ومئات الجرحى، والأمور متجهة للزيادة لا للتهدئة.

أمام laquo;الإخوانraquo; واحدة من سبيلين: العودة لخبرتهم التاريخية في العمل تحت الأرض والعنف والاغتيالات - كما تقدم - مع مراعاة ضعف سيطرتهم المركزية على خلاياهم والمتعاطفين معهم، وبخاصة بعد التصعيد العاطفي والآيديولوجي في الفترة الأخيرة. والثاني طويل الأمد، وهو أن تعيد الجماعة خلق نفسها من جديد عبر إزاحة الحرس الحديدي القديم الذي يقود الجماعة اليوم ومنذ أكثر من عقدين ونيف، وبالتالي الخروج للناس بصورة جديدة تماما، وهي مهمة صعبة.

أخيرا، فإن التوصيف مهم في قراءة المشهد الحاضر واستشراف المستقبل، ومن هنا فمن المفيد استحضار أنه لم تكن الميادين هي ما أزاحت laquo;الإخوانraquo; عن السلطة، بل الجيش هو من فعل هذا، وهذا لا ينفي بحال حجم السخط الشعبي المتزايد عليهم. هذا مع اعتبار الإحصائيات التي تحدثت عن حجم المتظاهرين ضد حكم laquo;الإخوانraquo; في 30 يونيو (حزيران)، وأنهم ضعف من خرجوا في يناير 2011. هذا مع استحضار الفارق المؤثر في المناخ بين يناير البارد ويونيو الحارق في مصر.