علي سعد الموسى

كنت، كمواطن عربي من هذا المستطيل الجغرافي الكئيب، أربأ بحاملي نوبل للسلام الدكتور محمد البرادعي وتوكل كرمان، من الانزلاق السياسي في هذا الاصطفاف والانحياز الفئوي على الأقل احتراماً لميدالية الجائزة الكونية، وتقديراً للمكانة الرمزية في اسم فرع الجائزة الذي توجا به من قبل. حامل السلام والفائز بأرقى جوائزه يجب أن يظل حمامة تطير فوق كل الميادين لا جزءاً من الطوابير والاعتصامات. وبدلاً من أن يكون محمد البرادعي (ميداناً ثالثاً) يأوي إليه سفراء الكون إلى أزمة مصر، وجسراً توفيقياً لربط شعب منقسم ومضطرب، اختار أن يكون نائب رئيس الجمهورية رغم أنه القانوني الواعي المثقف الذي يعرف في الأصل أن كل فترة انتقالية للشعوب البدائية في عالم السياسة لابد وأن تحرق كل أسماء الفترة والمرحلة. دخل محمد البرادعي برجليه مختاراً إلى (المحرقة) تماماً مثل ذات الخطأ (الإخواني) حين أعدموا كل بنية الجماعة وتاريخها بالقفز السريع إلى سلطة، وفي مرحلة لا يحملون لها من أدوات النجاح، وبالبرهان، مشروعاً ولا ورقة.


ولا تختلف (فزعة) توكل كرمان عن زميلها في شيء، سوى أنها ذهبت، أو أرادت أن تذهب للميدان النقيض في قرار يفتقد لأدنى مقومات الخيال السياسي أو رسالة السلام الحائزة على ميداليتها الأعلى من قبل. ومرة أخرى كان يمكن لها أن تكون حمامة أخرى تطير بين الميادين وتنتقل بالبشرى بين الطوائف. كانت أمامها فرصة تاريخية في تجريب جولة جديدة من ثقافة السلام والحب. وحين استمعت إليها (منحازة) تتحدث من قناة (الانحياز)، من منبر الجزيرة، حزنت على ضحالة تفكير المثقف العربي وهشاشة بنية الناشط السياسي العربي: يستلم أرقى جوائز الدنيا وأغلى فروعها ولكن عقله راسخ في جذور القبيلة والفئة والجماعة. تذكرت بعدها عظمة نيلسون مانديلا الذي قرأت مذكراته مرة أخرى هذا الشهر، ثم عرفت بعدها هذه الحقيقة: أن نوبل نفسها تمنح العرب شذرة من ميداليتها مرة كل عقد من الزمن، لا لأننا نستحق، بل كي تعترف لنا أننا على هذا الكون ولو بالمجاملة.