زهير قصيباتي

بعد العيد، موعد المواجهة في رابعة العدوية؟

طوى الحكم الموقت في مصر سريعاً صفحة الجهود الأميركية والأوروبية والعربية التي سعت إلى نزع فتيل مواجهة شاملة في الشارع، مع أنصار laquo;الإخوان المسلمينraquo;، ما أن أدرج السيناتور جون ماكين وزميله الجمهوري لينزي غراهام، عزل الرئيس محمد مرسي في خانة laquo;الانقلابraquo;. وما بدا أكيداً أن تشكيك غراهام في شرعية مَنْ باتوا في الحكم وسجنوا laquo;المنتخبينraquo; أثار صدمة لدى الرئاسة، إذ قلّب ماكين وزميله موفدَيْن من البيت الأبيض أوراق الأزمة- المأزق في القاهرة. ولم يخفف وقع الصدمة والغضب حرصهما على النأي بالسياسة الخارجية الأميركية عن موقفهما، فيما الجميع يتذكر التلعثم الذي سقطت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما وحيرتها في التعامل مع أحداث واكبت تدخل الجيش المصري لعزل مرسي، وتلته.

قبل خيبة الحكم الموقت مما آلت إليه مهمة السيناتورين، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري حاسماً وجازماً في تبرئة الجيش ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي خصوصاً، من شبهة تنفيذ انقلاب بعد الثلاثين من حزيران (يونيو). ويثير ما حصل في الأيام الثلاثة الماضية ومهّد لنعي الجهود الدولية لكسر جدار المأزق المصري، علامات استفهام عديدة حول ما يريده الأميركيون من دولة ما زالت حليفاً، تعتبرها واشنطن حجر أساس في استراتيجيتها الإقليمية- الأمنية في المنطقة، وعلامات استفهام أخرى حول فقدانهم رؤية متجانسة في التعامل مع أكبر دول laquo;الربيع العربيraquo;. ويبقى الخوف الأكبر الآن مما ستؤول إليه الطرق المسدودة مع laquo;الإخوانraquo;.

واضح أن جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; في سعيها إلى الحفاظ على تماسك قواعدها في الشارع، وكسب تعاطف عربي- دولي، بنَت خطتها على أولوية إطلاق الرئيس المعزول محمد مرسي. وحين سُرِّبت معلومات عن احتمال قبول الجماعة معادلة laquo;السيسي مقابل مرسيraquo;، لضمان موقعها في المرحلة الانتقالية مع إزاحة الرجلين، تعمّدت الغموض لإبعاد مؤشرات إلى استعدادها للتضحية بالرئيس المعزول، ضمن صفقة ما أو مبادرة. بل إن الجماعة تدرك قبل غيرها، أن المؤسسة العسكرية حين تطلق مرسي ستكون حتماً كمن يوقّع صك اعتراف بارتكاب خطيئة، وهو ما لا قِبَلَ لها به، في حين يتبدّد سريعاً الحديث عن إمكانات الاحتذاء بالنموذج اليمني (الخروج الآمن لمرسي)، نتيجة البون الشاسع بين حكم وثورة في اليمن، وثورة ثانية في مصر على المتهمين بخطف 25 يناير ومصادرة الدولة.

وبعيداً من الغوص في وقائع الملابسات التي رافقت زيارة الوفد الدولي- العربي للقيادي laquo;الإخوانيraquo; خيْرَت الشاطر في سجنه، والحوار الذي أجراه معه نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، لم تكن يسيرة مهمة الجماعة في تفنيد اتهامات بمحاولتها ابتزاز الحكم الموقت، عبر تصلّبها الذي لن يقود إلا الى المواجهة، وإلباس الجيش رداء الجلاّد الذي لن يستخدم الورود حتماً ما إن يبدأ فض اعتصام laquo;الإخوانraquo; في ميدان رابعة العدوية.

في لعبة عض الأصابع في ربع الساعة الأخير، لا يستقيم منطق laquo;الإخوانraquo; إلا بلسان الضحية اليوم، بعدما ضيّعوا فرصة تاريخية لإرساء مشاركة في الحكم، تفصل بين البرنامج الحكومي المتغيّر، والهوية الثابتة للدولة المصرية والمجتمع. وإذ يدركون بعد فشل الجهود الديبلوماسية أن الحكم الموقت يشاطرهم المأزق العسير على حافة ما سمّاه السيناتور ماكين laquo;حمام دم شاملاًraquo;، يتضخم المأزق بحجم الكارثة إن أغرى الجماعة مجرد التفكير في استسهال إغراق أصحاب السلطة في مستنقعات الدم، بعدما استسهلوا لأسابيع إغراق الحكم والبلد في دوامة فوضى، تغري في المقابل دعاة laquo;شيطنةraquo; الجماعة. و laquo;الشيطنةraquo; إذ باتت laquo;تقليداًraquo; في إعلام حرّ إلا من الغرائز، ينقاد الجميع إلى متاريس كراهية، لا يستقيم معها أي صلح أو مصالحة.

والحال أن ماكين لم يخطئ في تحذير الجماعة من محاولة laquo;استعادة الشرعيةraquo; بالعنف، وتوبيخ مَنْ laquo;يتوهّمraquo; إمكان التفاوض مع سجين، ما دام laquo;الإخوانraquo; يصرّون على مرسي laquo;ممثلاً شرعياً وحيداًraquo;... للشارع والدولة!

ولكن، هل يمكن توقّع نجاح الأزهر حيث فشل الأميركيون والأوروبيون والقطريون والإماراتيون في إبعاد كأس المواجهة المُرّة؟

خطأ ماكين أنه يرى المعضلة المصرية بعين الديموقراطية الغربية، وخطيئة كثيرين في دول laquo;الربيع العربيraquo; التذاكي بعصا العنف للابتزاز، وبالابتزاز لإيهام ضحايا الاستبداد بحق فئة وحيدة في الدفاع عن مصالحهم... أليست الفئة laquo;الأنقىraquo;؟

بعد مغادرة وفود الوسطاء القاهرة، جاء إصرار رئيس الوزراء الموقّت حازم الببلاوي على فض اعتصام laquo;الإخوانraquo; جرس إنذار أخير، قبل الكارثة.