داهم القحطاني

اتفاقية لتنظيم إنتاج الفحم والصلب في أوروبا انتهت إلى الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي. إذن المصالح الاقتصادية المشتركة هي من سبقت الأهداف السياسية في أنجح صيغ الاتحادات بين الدول.

في الخليج العربي ومنذ أن دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إيجاد صيغ تنتهي بالاتحاد الكامل بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نشأ حوار أشبه ما يكون بجدلية laquo;من سبق الآخر الدجاجة أم البيضة؟raquo; حينما برز تساؤل: laquo;هل نبدأ بالصيغ السياسية أم الاقتصادية؟. هو حوار بيزنطي الطابع في وسط هذا الإقليم المتفجر بالدم والعنف، الذي لا يمكن لدول الخليج العربية أن تواجهه من دون اتحاد خليجي يضمن أن يكون لدوله وزن نسبي ضخم يواجه مشاريع التسويات الدولية التي لا تتردد في التضحية بدول ما، لأن وزنها النسبي منفردة لا يتيح لها حظا في المعادلات الدولية المتغيرة. وللتذكير بالمثل، وهو يشابه الواقع الخليجي، الجدل البيزنطي أودى بالإمبراطورية البيزنطية حينما انشغل أهلها بالجدل حول أسبقية البيضة والدجاجة ـ وكأن التاريخ يعيد نفسه ـ بينما قوات السلطان العثماني محمد الفاتح تدك أسوار القسطنطينية. لكن هل مهمة مواجهة أخطار التحولات الدولية مناطة بالحكومات وحدها أم أن للمواطنين الخليجيين دورا في ذلك؟

في منتدى الإعلام العربي في دبي مايو (أيار) الماضي، وخلال استضافة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دكتور عبد اللطيف الزياني، ضحك الحضور وغالبيتهم من الصحافيين العرب على تعليق للإعلامي تركي الدخيل قال فيه للزياني: laquo;20 سنة لمجلس التعاون وما عندكم غير السفر بالبطاقةraquo;. لكن دعابة تركي الدخيل والحضور لم تخف حقيقة أن مجلس التعاون الخليجي يعتبر التجربة العربية الوحدوية التي لا تزال تعمل بقدر من النجاح، بينما الاتحادات العربية الأخرى التي جمعت دولا كمصر والعراق والأردن واليمن فشلت بشكل ذريع، والحال نفسه بتجربة الاتحاد المغاربي بين المغرب وليبيا والجزائر وتونس وموريتانيا. إذن مطلوب حملة علاقات عامة يقوم بها المؤمنون من المجتمع المدني الخليجي بفكرة الاتحاد، للتسريع في تطبيق هذا الحلم ليس دعما للحكومات، ولكن كي تكون لشعوب هذا الخليج القدرة على مواجهة التغيرات الدولية التي قد ترسم خارطة laquo;سايكس بيكوraquo; جديدة تهمش فيها دول الخليج العربي ما لم تتحد.

من غير المطلوب البدء بصيغ اتحادية خليجية تصل إلى الجذور مباشرة، فالتغيير المتدرج المدروس قد يطمئن من يتخوف لأسباب منطقية كما أن الصيغ التي تحفظ خصوصية كل بلد قد تشج على حشد أكبر عدد من المؤيدين. والاقتصاد هو حجر الزاوية ويمكن أن يكون مدخلا صحيا وصحيحا للاتحاد الخليجي، فالمال كما يقال عديل الروح، ويمكن من خلاله خلق شبكة المصالح أن تتهاوى الخلافات كافة حول الصيغة الأمثل للاتحاد الخليجي، ومن أهمها الشكل السياسي لهذا الاتحادات خصوصا فيما يتعلق بالبرلمانات. ست دول في اتفاقية باريس عام 1951 تحولت عام 1992 إلى اتحاد أوروبي يضم الآن وبعد 62 سنة من اتفاقية الصلب والفحم 28 دولة، مما يعني أن 32 عاما من عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليس بكثير في عمر الدول.