جمال بن حويرب المهيري

بعض العقول الطامعة في الشهرة والتي لا تبالي بما تفعل، تحتاج إلى طبيبٍ عبقريٍّ وآسٍ نِطاسيٍّ لعلاج حالاتهم وتصرفاتهم الغريبة، التي إن نظرت إلى صورتها من اليمين وجدتها تصرفاتٍ مجنونة، وإن نظرت من جهة أخرى وجدتها مضحكةً مفلسةً لا أساس لها من العقل ولا الصحة، وإن أردتم الأعجب والأغرب من هذا كله، فهو أن يجد أمثال هؤلاء صرعى الشهرة من يتابعهم ويصفّق لهم ويدافع عن جنونهم ويخترع الأعذار لهم، والويل كل الويل لمن يحاول أن ينتقد محبوبهم الوسيم ومتبوعهم الذي يقطر حديثه عسلاً، وهو متهور لا يسمع كلام الناصحين ولا يحرك شعرة في ناصيته نقد العلماء الكبار له وأهل الحكمة، لأنّه لا يعدّهم شيئاً فقد طوّحت به الشهرة حتى أصبح لا يمشي على الأرض زهواً، بل لم يعد يبالي بما يقول ويفعل لأنّ آلاف المناصرين له سيسبون ويشتمون ويلعنون كلّ من يتفوّه بكلمةٍ ضده ولو كان أكبر رأس في البلد!

أذكر هنا قول الشاعر القديم:

لا تمدحنّ ابنَ عباّدٍ وإن هطلتْ

كفاه كالمزنِ حتى تُخجل الديما

فإنّها خطراتٌ من وساوسه

يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما

وهذا من أقبح الهجاء وأشده، فإن لم يكن يعطي الرجل ويمنع من بخل أو من كرمٍ فليس ثمّ تفسيرٌ ثالث إلا الجنون، وهذا الذي عناه الشاعر بقوله: خطراتٌ من وساوسه، وهذا ما يقوم به كثير من محبي الشهرة اللاهثين خلفها، ولكنها سرابٌ بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وليست بماء وإنّما هي أوهام تؤدي إلى الهلاك لا محالة، فأين المتعظون بذلك وأين الطامعون إلى جنّات الخلد ممن يبحث عن زيادة عدد متابعيه ومناصريه ولو كان على خطأٍ وتعصّبٍ؟!

بل أين ذلك quot;العريفيquot; الذي خرج في أول أمره منذ سنوات بلباس واعظٍ للشباب وهو شخص مغمور لا يعرفه أحدٌ، فما لبث أن تخاطفته القنوات وأصبح نجماً تلفزيونياً لا يبالي أوعظ أم أفتى، وإن لم يؤهله أحد للفتيا إن قبلنا بوعظه، ثم انقلب سريعاً بعد شعوره بالزهو والقوة يهاجم حكام المسلمين ويصفهم بأنهم حكام غير كاملي الشرعية، ويناصر في الوقت نفسه تلك الطائفة الحزبية الإخوانية المفسدة، التي نخرت في جسم الإسلام وزادت في تفرقه وتمزيقه، فهو يواليهم ويمدحهم ويدافع عنهم.

بعد كل هذه التقلبات والإتيان بالأعاجيب، يخرج علينا بباقعةٍ جديدةٍ تسيء لأهل العلم الذين يعدّه العوام منهم وإن كان هذا الفعل مباحاً في أصله، ولكنه ماذا يريد بهديته للفنانات والإعلاميات، حتى حيّر الحكماء فلم يستطع أحد أن يحلل حقيقة هذا الأمر، واكتفى الناس كما يفعلون دائماً باختراع وسم جديد في تويتر (هاشتاق) وبدأوا يتحدثون عنه، فمن مدافعٍ مناصرٍ له بغير علم، ومن مهاجمٍ غاضبٍ منه، ومن متوقفٍ محتار في أمره، فما كان منه إلا أن كتب في تويتر قائلاً: quot;مكتب محبكم quot;العريفيquot; يُرسل هدايا لممثلين وممثلات ومغنين ومغنيات ومذيعين ومذيعات.. (مصحف+ كتب+ عطر+ محاضرات) أشكرهم لقبولها أرسلنا لـ100 شخص للآنquot;، فعلقت إحدى المغردات فقالت: quot;كتابان ومصحف وعطر وقرص به محاضرات، تكلفتها التقريبية 500 ريال وتغليف في علبة تكلفتها ما بين 100 و300، كم طفلاً كانت ستدفئ؟!quot;، وقال أحد المغردين: quot;أو ليس الأجدر يا شيخ أن ترسل ثمن هذه الهدايا للاجئين السوريين لكي تقيهم شر الصقيع والبرد!quot;، واستغرب مغرد آخر فقال مستهزئاً: quot;كيف يهدي المذيعات وهو مقاطع القناة؟ وليش هم بالذات.. خلصوا اللي بالقناة الأولى (أي القناة السعودية)؟ ولكن يأتيهم الرد مباشرة بأقذع الألفاظ من مناصريه فيقول أحدهم: quot;الله يجزاك كل خير يا شيخ ولا تلتفت للحثالة التي تتكلم عليك، الله يجمعنا وإياك بجنات النعيمquot;.

نعم كل من ينتقد محبوبهم المشهور هو حثالة في نظرهم ويجب شتمه وسبه، وهذا من المضحكات المبكيات، وقد قال لي أحد الأصدقاء معلقاً: quot;لماذا تنتقد هدايا quot;العريفيquot; للفنانين؟ هي هدية فنان لزملائه، وهنا شيخ يقول لنا دائماً: ما هي آخر صيحاته؟quot;..