عبدالله بن بجاد العتيبي

التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا لا تقتصر مهمته على محاربة «داعش» فحسب، بل تضم إليه كل التنظيمات الإرهابية في سوريا، من جبهة النصرة إلى أحرار الشام إلى غيرها من التنظيمات الأصولية الإرهابية، بل إنه يحمل حلا سياسيا للأزمة السورية.


الضربات الجوية للتنظيمات الإرهابية هي البداية فحسب، ولكن الخطة الشاملة بحسب العديد من الأخبار والتصريحات تتجه إلى أبعد من ذلك؛ فبالتوازي مع ضرب الجماعات الإرهابية تم انتقاء بضعة آلافٍ من مقاتلي الجيش الحر الوطنيين الذين ليست لديهم انتماءات آيديولوجية أو علاقة بالجماعة الإرهابية أو الأصولية بشكلٍ عامٍّ ويتم تدريبهم حاليا على يد القوات الأميركية؛ في تركيا عشرة آلاف مقاتل، وفي الأردن خمسة آلاف، على أن يشكل هؤلاء قاعدة أساسية لتدريب بقية عناصر الجيش الحر في مرحلة لاحقة، وتحديدا على أسلحة أميركية نوعية.


يتمّ بعد ذلك فرض منطقتي حظرٍ جوي في شمال سوريا وفي جنوبها تمنع طيران الأسد من قصف تلك المناطق بالقنابل والبراميل المتفجرة، ويتمّ فرض سيطرة الجيش الحرّ على تلك المناطق، وتكون حلب عاصمة الشمال ودرعا عاصمة الجنوب، وبعد تأمين هاتين المنطقتين يمكن إرجاع المهاجرين السوريين بالملايين إلى مخيماتٍ داخل بلدهم يتم فيها تأمين جميع احتياجاتهم بجهودٍ إغاثية دولية وعربية.


بعد فرض الجيش الحر سيطرته في الشمال والجنوب، وبالتوازي مع القصف الجوي، يستطيع التقدم لضم شرق سوريا وملاحقة عناصر «داعش» على الأرض، وبالتالي السيطرة على الغالبية العظمى من الأرض السورية، ويبقى بشار الأسد محاصرا في منطقة الوسط والغرب السوري، حيث دمشق واللاذقية، وحينذاك، وبحسب النتائج وتوازن القوى، يصبح اجتراح حل سياسي يضمن خروج الأسد من السلطة خيارا منطقيا وقابلا للتطبيق، ولن يستطيع الأسد التعجرف كما فعل في «جنيف 1» و«جنيف 2»، بل سيضطر للاستجابة والتفتيش عن مخرجٍ آمنٍ.


ثمة جهتان في المنطقة رافضتان لهذا التحالف، وهي الجمهورية الإسلامية في إيران وجماعة الإخوان المسلمين؛ الأولى لعدم إشراكها في التحالف ولخشيتها أن يكون ذلك كسرًا لنفوذها في سوريا، والثانية لشعورها بأن القناعة المصرية السعودية الإماراتية بدأت تنتصر وتؤثر في الدول الغربية، وأن ما كان يُعرف بالربيع العربي أوضح للجميع أنها جماعة إرهابية لا تختلف عن تنظيمات «القاعدة» أو «داعش».


ولكن، ما الشكل المطلوب لسوريا ما بعد الأسد؟ هنا تختلف الرؤى، فالدول الغربية والدول العربية المشاركة في التحالف تريد أن تحكم سوريا ما بعد الأسد بنظامٍ وطني سوري يضمن وحدة سوريا واستقرارها وسيادتها الكاملة على أراضيها ويضمن حقوقا متساوية لجميع فئات الشعب السوري، بغض النظر عن الأديان والطوائف والمذاهب والقبائل، وطنٌ سوري لكل السوريين.


الرؤية الأخرى تريدها تركيا وقطر، وهي أن يقوم نظامٌ سوري جديدٌ بقيادة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبالتالي تقوية الحلف الإخواني الذي تقودانه وإضافة بلدٍ جديدٍ لمركز الثقل الإخواني الجديد، الذي تشكل بعد إسقاط حكمهم في مصر.


كما كان متوقعا من قبل، فبعيدا عن الشعارات الجوفاء فقد التحقت قطر وتركيا بالتحالف الدولي، وصوّت الغالبية العظمى في البرلمان التركي على المشاركة في التحالف، وهو أمرٌ لا مفرّ لتركيا منه، فتركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والحرب تدور على حدودها، وهي مصدر المعلومات الأكبر عن تنظيمات الإرهاب في سوريا، فغالبيتهم العظمى دخلوا من أراضيها، وتحت سمع وبصر مخابراتها ومؤسساتها الأمنية، ثم إنها تمتلك واحدة من أكبر قواعد الحلف العسكرية في المنطقة، وهي «قاعدة أنجرليك».
&

إن مصالح تركيا الكبرى مرتبطة بعلاقاتها مع دول الحلف ومع إسرائيل، وهي لن تتخلى عن تلك المصالح ولن تسمح لآيديولوجيا إردوغان الإخوانية غير المتزنة بأن تفرّط في تلك المصالح، وسيرتكب إردوغان وحزبه خطأ قاتلا حين يتركون المصالح ويتجهون لموالاة الجماعات الإرهابية، كجماعة الإخوان المسلمين أو «داعش» أو «النصرة».


إن انضمام قطر وتركيا للتحالف سيسبب حرجا كبيرا واضطرابا لدى أتباع جماعة الإخوان المسلمين في العالم، وفي دول الخليج العربي تحديدا، وسنرى جهودا تُبذل على المستوى النظري والديني للتبرير للدولتين ولتركيا تحديدا، مع ضمان استمرار الهجوم على الدول العربية الأخرى المشاركة في التحالف.


ستختلف المواقف الدينية بين أتباع الخليفتين؛ «الخليفة إردوغان» و«الخليفة البغدادي»، فأتباع «الخليفة إردوغان» كما تمّت الدعاية له وتصويره خلال السنوات الماضية سيجدون له المخارج تلو المخارج، بينما سيستمر أتباع «الخليفة البغدادي» في تكفير كل من لم يبايع خليفتهم، وسيلحقون إردوغان بغيره، ولئن كان الدواعش الإرهابيون متسقين في رؤيتهم، فإن الدواعش الإخوانيين سيطوعون كل النصوص ويتلاعبون بها للدفاع عن «خليفتهم».


من الطبيعي أن تحالفا دوليا بهذا الشكل الجديد الذي تتكامل فيه الأدوار وبمهمة كبرى، كالمذكورة أعلاه، يحتاج لسنواتٍ حتى يؤتي ثماره وتبدو نتائجه، وهنا يأتي دور الدول المشاركة في ضمان تماسك الاستراتيجية واستمرارها والدقة في تنفيذها بكل صبرٍ وحكمة وأناة.


ومن غير الطبيعي أن تبقى بعض التيارات أو بعض الرموز من المنتمين لتيارات الإسلام السياسي يحرضون علنا ضد بلدانهم وسياساتها الاستراتيجية الكبرى في المنطقة، خاصة في أوقات الحروب، فلئن كان مقبولا أن تخالف بعض السياسات الصغيرة هنا وهناك في زمن السلم، فإن السكوت في زمن الحرب خيانة، وأكبر من السكوت التحريض ضد الوطن وقواته المسلحة وضباطه وجنوده، وذلك ما يُعتبر خيانة عظمى تستوجب العقوبة الرادعة.


إن أمن الأوطان وسياساتها العليا وحروبها العادلة لا يجوز أن تكون موضع خلافٍ؛ ففي الحرب يصبح الناس نوعين لا ثالث لهما؛ إما عدو أو صديق، والطابور الخامس داخل أي وطنٍ هو واحدٌ من أخطر الأعداء، ويجب أن يكون التعامل معه بالحزم والحزم فقط، فمن يختار واعيا الاصطفاف مع الأعداء يجب أن يلقى عقابهم نفسه.


أخيرا، ففي بناء الاستراتيجيات الكبرى يجب ألا يلهي موضوعٌ عن موضوعٍ آخر، وأن تتم رؤية المشكلات ضمن سياقٍ شاملٍ قادرٍ على رسم الخطط وتحديد الأولويات وتكامل الأدوار ودقة التنفيذ، ومن هنا، فإن هذا التحالف الدولي يجب أن تتسع نتائجه لتشمل مع سوريا العراق واليمن وليبيا.